ما هي نظريات التعلم الحديثة؟
1. النظرية السلوكية:
صاغها “بافلوف” في عام 1912 وطورها من بعده كل من “واطسن” و”سكينز”، واعتمدت هذه النظرية على المحاولة والخطأ والتكرار، فمن شروط التعلم “الفشل طريق النجاح”، وكانت تجربة “بافلوف” المشهورة مع كلبه نقطة البداية.
لقد وجد “بافلوف” ومن تبعه من بعده أنَّ التعلم يكون نتيجة للعلاقات الحاصلة بين تجارب المتعلم وما أظهره من استجابات لهذه التجارب، ولا بد لنجاح العملية التعليمية من التعزيز الذي يعد أداة فعالة للتعلم وتعديل السلوك، فالنظرية السلوكية ترى أنَّ شخصية الفرد لا تتكون مع ولادته؛ إنَّما يتمحور شكلها من خلال السلوكات المتتالية المرتبطة بالعوامل الخارجية.
عارض بعض الناس تلك النظرة ووجدوا أنَّها تركز على عملية التجريب والتطبيق من أجل الحصول على المعرفة، والمؤثرات الخارجية وحدها القادرة على إيصال المراد وأهملت كل ما له علاقة بالإرادة الذاتية، وكذلك جاء الاعتراض على تطبيق هذه النظرية على الحيوان والإنسان بِعَدِّ إدراك الإنسان مساوياً لإدراك الحيوان، وتم رفض هذا البند من قِبل بعضهم، فالإنسان دائماً يبحث عن قواعد علمية تسير بنا نحو الأمام فيقبل كل ما يفيد رفع مستوى التعلم.
2. النظرية الجشطلتية:
بوصفها نتيجة للاعتراضات التي طالت النظرية السلوكية ظهرت نظريات أخرى “الجشطلتية”، وبرزت أسماء عدة لروادها ومن أهمهم الألماني “ماكس فريتمر” والأمريكي “كورت كوفكا” وغيرهم، وكان ذلك بين عامي (1880- 1943).
انطلقت النظرية الجشطلتية من مبدأ (الكل إلى الجزء)؛ إذ يقوم كل من المعلم والمتعلم بتحليل المادة المدروسة إلى أجزاء والتركيز على كل جزء وحده والربط بين مجموعة الأجزاء واستنتاج العلاقة بينها، فالفهم أساسها والربط قانونها.
لا تؤمن هذه النظرية بالمحاولات والأخطاء فهي تعنى بقوانين الإدراك والسلوك، وعلى المتعلم تعرُّف خصائص الموقف التعليمي، كما تهتم بالتفكير وحل المشكلات وغيرها من العمليات العقلية، فالاستبصار والفهم أجدر من المحاولة والخطأ وأكثر فاعلية في تحقيق التعليم الإيجابي.
تحت عنوان هذه النظرية وُضعت مبادئ وقوانين عدة تسير وفقها العمليات الإدراكية، وهذه المبادئ هي:
- مبدأ الشكل.
- مبدأ التشابه.
- مبدأ الإغلاق.
- مبدأ التقارب.
- مبدأ التشارك بالاتجاه.
على الرغم مما حققته هذه النظرية من نجاح وانتشار وما جاء بها من إيجابيات، إلا أنَّها تعرضت للانتقاد، فقد وجد آخرون بداية الاستبصار عند الإنسان مختلفة عن الحيوان، فالإنسان مميز بالعقل وهو المسؤول عن تنظيم وفهم العلاقات الجزئية.
كما قيل في سلبياتها إنَّها تعتمد على قدرة كل فرد فلا تراعي الفروق الفردية، فالقدرة متغيرة، حتى إنَّها مختلفة عند الفرد نفسه من موقف تعليمي إلى آخر، ويضاف إلى ذلك زعمها أنَّ السلوك البشري يتطلب إثارة حتى يحدث، وبناء عليه لا يمكن وضع معايير وأسس واضحة للقياس.
مع وجود كل هذه السلبيات من وجهة نظر الباحثين، إلا أنَّ هذه النظرية ساهمت في تغيير وتطوير السياسات التعليمية والتربوية في دول عدة فقاموا باتباع منهجها في التعليم؛ إذ يبدأ من تقديم شمولية المادة ثم جزئياً وفق الانتقال التدريجي من الكل إلى الجزء دون التأثير في محتوى المادة الداخلية وتحقيق الاستبصار على كل جزء وحده.
شاهد بالفيديو: 7 طرق مثبتة لتقوية الذاكرة طويلة الأمد
3. النظرية البنائية:
أصل الكلمة لاتيني؛ وتعني الطريقة التي يقام بها مبنى ما أو بمعنى أوضح البناء، ونُسبت جذور هذه النظرية إلى “جان بياجيه” بين عام (1980-1986) الذي قدم تعاريف عدة لها، ومفادها أنَّ أنماط التفكير لدى الطفل تنشأ نتيجة التفاعل بين قدراته الفطرية مع الخبرة.
قدَّم “بياجيه” لهذه النظرية أسساً تمكِّن المتعلم من الاعتماد عليها للحصول على نتائج مفيدة وقيِّمة، فقد أكد على أنَّ المعرفة تكون داخل العقل وعلى المتعلم تفسير ما يستقبله ويكون المعنى أو المفهوم بناء على ما يمتلك من معلومات، فالتعلم مرتبط بالعلاقة بين الذات والموضوع، وكذلك أكد أنَّ الاستدلال شرط لبناء المفهوم، ومن ثم الخطأ شرط التعلم متضامن هنا مع النظرية السلوكية.
استوحت هذه النظرية من الجشطلتية فكرة الفهم شرط ضروري للتعلم والتجربة أساس التعلم، وكما جاء بالسلوكية رافضة للتلقين، ولقد اعتمد “بياجيه” في نظريته بوصفها تطور الأطفال على مراقبتهم الدقيقة خلال سنوات نموهم، ووضع لها فرضيات عدة لدعم فكرته ومنها:
- المخططات العقلية أو أطلق عليها (المباني العقلية).
- عملية الاستيعاب أو التمثيل.
- عملية الملاءمة أو التلاؤم.
- عملية التوازن أو ما يسمى بالتكيف.
لا بد من التأكيد على أنَّ هذه النظرية لاقت رواجاً كبيراً ويتم تطبيقها على ميادين عدة في الوقت الحالي، فمثلاً طُبقت في دائرة التعليم واتخذت ثلاث مراحل (مرحلة اكتشاف المفهوم، مرحلة تقديم المفهوم، مرحلة تطبيق المفهوم)، كما طُبقت في التعليمية وكان ذلك وفق ست مراحل (مرحلة التقديم، مرحلة التعليم الجماعي، مرحلة التعليم الفردي، مرحلة التغذية الراجعة، مرحلة مسؤولية التعلم، مرحلة استقلالية المتعلم).
ميزات تطبيقات النظرية البنائية:
- تجعل هذه النظرية المتعلم محور العملية التعليمية، فهو أساسي ويكتشف ويبحث ويستنتج وينفذ نشاطه.
- تسمح هذه النظرية للمتعلم بتمثيل الأدوار فتنمي لديه الاتجاه الإيجابي نحو ما يمثله من شخصيات علمية أو قضايا حياتية أو مشكلات مجتمعية.
- يتعلم المتعلم بنفسه أهمية استخدام العلم في المجتمع ودوره في حل مشكلات مجتمعه ومحيطه.
- النظرية البنائية تتيح الفرصة للتفكير العلمي لدى المتعلم وإيجاد أكبر عدد ممكن من الحلول لتوظيفها فيما بعد في القضايا المجتمعية والحياتية.
- في العصر الحديث تُدمج نظرية التعلم البنائية مع استراتيجية التعلم التعاوني لتنمية روح التعاون والعمل ضمن فريق، وبهذا الأسلوب تحقق العملية التعليمة أحد أهم أهدافها في نطاق واسع.
4. النظرية المعرفية:
إنَّ الإحاطة بمختلف النظريات التي توالت على فترات زمنية غير متباعدة أمر ليس بالسهل ولكنَّه ليس بالمستحيل، فمن خلال البحث سوف نستمتع بالتعرف إلى جذورها ومحتواها وتطبيقاتها وفوائدها وإيجابياتها وأخيراً سلبياتها، وهذا البحث هو هدف من أهداف النظريات.
النظرية المعرفية من أبرز نظريات التعلم الحديثة التي ظهرت على يد العالم الألماني “فونت” الذي اهتم بالنهج الترابطي للوعي الإنساني مستخدماً الخبرة لتكوين المعرفة، وقد اشتُهر العالم “فونت” باعتماده على العمليات الذهنية العليا منها التذكر والتفكير والتخيل، وحصل من خلال هذه العمليات على نتائج مفيدة لاحقاً ومسلمات اعتمدها غيره من العلماء لتطوير نظريته.
من “فونت” إلى “تشومسكي” الذي ناقض النظرية السلوكية وأفكارها، وهذا التناقض كان حجر الأساس لظهور النظرية المعرفية، فقد ركزت هذه النظرية حسب “تشومسكي” على العمليات العقلية العليا والمعالجات الذهنية واستخدم التفكير لتنظيم التعليم وتحقيق انسجامه مع البيئة.
لقد أشار إلى هذه النظرية كوكبة كبيرة من العلماء من أمثال “إدوارد تولمان”، “جيروم برونز”، “أفرام نعوم تشومسكي”، “كورت ليفين”، “ديفيد أوزبل” وغيرهم، لكن يبقى خير من قام بدراسة هذه النظرية هو “جان بياجيه” ونُسبت إليه أيضاً، فقد عُدَّت هذه النظرية من خلال وصف كتاب (النظريات المعرفية في التعلم) نظرية شاملة وواسعة تُستخدم لشرح العمليات العقلية وتؤكد أنَّ العمليات العقلية تتأثر تأثراً كبيراً بالعوامل بنوعيها الخارجية والداخلية ليصبح بمقدور الفرد التعلم.
وجَّه رواد هذه النظرية نقداً للسلوكية وأعطوا أهمية كبيرة لنظريتهم، فقد وجدوا أنَّ مصادر المعرفة واستراتيجيات التعلم تركز على الانتباه والفهم والذاكرة والاستقبال ومعالجة المعلومات.
المعرفة من منظور النظرية المعرفية تشير إلى تفاعل المحتوى مع العمليات المعرفية، ثم يتم تركيب بنية معرفية نستطيع من خلالها دمج ومزج المعلومات والخبرات السابقة مع المعلومات الجديدة، فالعقل البشري لديه قدرة كبيرة على معالجة المعلومات، ومن ثم تخزينها وتوظيفها.
مثلاً إن حدثت مشكلة فهنا لدى العقل مهمة محددة وهي تعبئة الموارد المحفوظة في الذهن والوصول من خلالها إلى الحل، فالنمو المعرفي يعتمد على تتابع المعلومات للوصول إلى الهدف أو الحل، والربط بين التعلم السابق والتعلم الجديد يسهل على الطلبة التكيف مع خبراتهم والاعتماد على إثارة الدافعية والاختبارات القبلية والتشخيصية التي تُستخدم في بداية التدريس لتوضيح المهارات التي يتقنها المتعلم.
شاهد بالفيديو: 7 خطوات لجعل التعلم الذاتي فعالاً
آليات تطبيق نظريات التعلُّم الحديثة في التعليم:
في المجمل لكل نظرية آلية عمل تُعتمد للوصول إلى المعرفة تمت صياغتها حسب العالم الذي درس هذه النظرية، وربما اختلفوا في التسمية، إلا أنَّ المضمون واحد، وقد طبقها المعلمون على أرض الواقع بطرائق متنوعة حسب القدرات المتاحة، ومن أهم هذه الآليات:
- طرح الأسئلة التي نتمكن من خلالها من استدراج المعارف القديمة والخبرات لتنشيط التفكير.
- إتاحة الفرصة لارتكاب وتعزيز الخطأ؛ إذ يطرح المعلم مشكلة ويقدم المتعلم حلولاً متنوعة قد تناسب الموقف التعليمي، وقد يرتكب الخطأ بعد التعرف إلى جميع الحلول، ومن ثم يتم اختيار الحل الأمثل بمساعدة المعلم.
- تعزيز أسلوب تأمل الذات، فمن خلال هذا التأمل يتمكن المتعلم من التفكير والبحث عن وسائل مناسبة ويطور مهاراته في سبيل المعرفة.
- التفكير بصوت عالٍ الذي يعتمد على الحوار والتفاعل المتبادل بين الأفراد المتعلمين.
على سبيل الذكر وجد الباحثون في مجال النظرية المعرفية كما درسها “بياجيه” مجموعة من المزايا، فهي طريقة لتعزيز ثقة المتعلمين بنفسهم وحب التعلم وابتكار تحديات أمام المتعلمين، إضافة إلى اعتماد المتعلم على مراحل متسلسلة للتعلم بحرفية وغير ذلك.
على الرغم من تلك المزايا التي تقدمها النظرية المعرفية، إلا أنَّها لاقت الاعتراض الكبير في الميدان التعليمي؛ إذ سجل عليها الباحثون نقاطاً عدة سلبية منها افتقارها إلى الدلائل وعدم توفر الظروف، كما أنَّ النمو عملية مستمرة غير قابلة للتقسيم، إضافة إلى أنَّ “بياجيه” تغافل عن دور البيئة ودور المحيط وركز فقط على المراحل التعليمية.
إقرأ أيضاً: ما هي نظريات التعلم الفعال وكيف تستفيد منها؟
في الختام:
لكل نظرية من نظريات التعلم الحديثة فروع وتحليلات متعددة دُعم بعضها بالقبول ووقف آخرون ضد ما جاء بها وحاولوا تطوير نقاط الضعف التي وردت فيها وفق منظور أوسع، وفي النهاية يمكن تقديم عرض بسيط للاختلاف بين النظريات الأربع كما يأتي:
- النظرية السلوكية: اعتمدت على المثير والاستجابة واتخذت من الحيوان أساساً لبناء نتائجها.
- النظرية الجشطلتية: انطلقت من الجزء إلى الكل.
- النظرية البنائية: انطلقت من الكل إلى الجزء.
- النظرية المعرفية: ركزت على الجانب المعرفي في تلقي المعلومة وطريقة تعامُل الشخص مع المعلومات، فعَدَّت الإجابة الصحيحة توازناً وعدم الإجابة لا توازن، واستخلاص نتيجة صحيحة توازناً جديداً.