من هو أبو تمام؟ نسبه وحياته وشعره

نبذة عن أبي تمام:
أشعلت شخصية الشاعر أبي تمام شرارة الإبداع في العصور الوسطى، فارتقى بسرعة إلى قمة الشهرة والإشادة بأعماله الشعرية، وعلى الرغم من قصر فترة حياته، فقد استطاع أن يحوِّل وضعه من شخص عادي إلى شاعر محترم ومرموق في عصره، وهذا بفضل جهده الدؤوب وطموحه.
يتسم أسلوب أبي تمام الشعري بالتفرد والابتكار، كما يتميز بأسلوبه المختلف والمميز عن زملائه من الشعراء، وهذا جعل قصائده تتمتع بطابع خاص وفريد، كما وصفه الأديب أبو الفرج الأصفهاني بأنَّه: (ما كان أحدٌ من الشعراء يقدر على أن يأخذ درهماً في حياة أبي تمام، فلما مات اقتسم الشعراء ما كان يأخذه).
يُعرَف أبو تمام باسم حبيب بن أوس الطائي الصليبي، أو بحبيب بن تدوس النصراني الذي اعتنق الإسلام بعد أن كان نصرانياً، ووُلِد في قرية تدعى جاسم في العام 190 هجري، وبعد ذلك انتقل إلى مصر قبل أن يحضره المعتصم إلى بغداد، فقد حظي بتقديره واحترامه، وتم تقديمه لجميع شعراء عصره، وبعد ذلك استقر في العراق، وتولى منصب بريد الموصل، وعاش فيها باقي عمره.
حياة أبي تمام:
تعد حياة أبي تمام من الموضوعات التاريخية المحاطة بكثير من المعلومات والأخبار، فقد سعى كثير من المؤرخين إلى فحصها وتقييم مدى صحتها، وفي هذا السياق، يأتي ابن خلكان ليرسم صورة عن أصول أبي تمام، إذ يقول: (يزعم أنَّ أبا تمام وُلد في قرية تُدعى جاسم بين دمشق وطبريا، ونشأ في مصر).
يلاحظ من خلال استخدام ابن خلكان لكلمة (يزعم) أنَّ هذا الخبر ليس مؤكداً تماماً، وهذا يثير شكوكاً في صحته، خاصة أنَّ التحقيق في هذا الموضوع غاب في كتب أخرى مثل مروج الذهب والأغاني التي لم تذكر هذا الخبر.
من ناحية أخرى، في كتاب طبقات الأدباء للأنباري، ذكر أنَّ أبا تمام نشأ في مصر وكان يعمل هناك ساقياً، في حين تم تجاهل رواية ولادته في دمشق، ومع وفاة الأنباري قبل قرون من وفاة أبو تمام، تتبدد مصداقية هذه الرواية، ويرى مصطفى صادق الرافعي أنَّ هذا السيناريو ربما تم إنشاؤه للتقليل من شأن ومكانة أبي تمام وتشويه سمعته.
لكن بناءً على الروايات والقصص المتاحة، يمكن استنتاج أنَّ أبا تمام ولد في الشام وهاجر إلى مصر بصفته شاعراً ناشئاً، مثل العديد من الشعراء الآخرين في مناطق مختلفة.
لقد ورد أيضاً أنَّه عاش في ولاية عبد الله بن طاهر، التي امتدت من 210 إلى 211 هجري، وكان في ذلك الوقت يبلغ أبو تمام من العمر 21 أو 23 عاماً، وبعد ذلك، ذهب إلى مصر ثم إلى خراسان في عام 220 هـ، ونشر كتاب الحماسة الذي له دور في جعله مشهوراً.
يُحكى في فترة حياة أبي تمام في منطقة الشام أنَّه حضر دورات العلم في مساجد مدينة دمشق، واكتسب معرفة كبيرة في الدين، واللغة، والشعر واستفاد من تعليمها كثيراً، وقد يكون هذا التعليم المستمر هو السبب في تحول مسار حياته، من حرفة حياكة الثياب إلى الاهتمام بالشعر.
يعرف أبو تمام بقصائده المتنوعة، ومن ذلك قصائد النونية والدالية التي ألفها في مصر بعد وصوله إلى الفسطاط وإقامته في مسجد عمرو بن العاص، كما اشتهر بكتابة قصائد متنوعة، ومن ذلك قصائد الثناء والهجاء، فقد شملت قصائده ترانيم المدح لعبد الله الظاهر حاكم مصر، وقصائد الهجاء التي استهدف بها يوسف السراج وابن الجلودي.
انتقل أبو تمام من مصر إلى دمشق، ولكن عندما فشل في الحصول على لقاء مع المأمون في إحدى زياراته للشام، انتقل إلى الموصل وقضى فترة من الوقت هناك، وبعد ذلك ظهر في أرمينيا، وألقى قصيدة مدح لواليها خالد بن يزيد الشيباني.
بعد ذلك، انتقل إلى بغداد بعد وفاة المأمون، فقد ازدهرت شهرته في عهد المعتصم، وأصبح أحد أبرز شعراء ذلك العصر، وقد كان له علاقات وطيدة مع معظم كبار رجال الدولة مثل محمد بن عبد الملك الزيات، ونجح في كسب دعم الواثق بعد المعتصم.
بعد ذلك، انتقل إلى خراسان ليمدح عبد الله بن طاهر، وفي أثناء عودته تعرَّض لعواصف الثلج في همذان، وبقي هناك لفترة طويلة، وألَّف خمسة كتب من العلم، ومن ذلك كتاب الحماسة الذي جلب له الشهرة، ثم عاد إلى بغداد وكرَّس نفسه للكتابة، وقد اهتم به الحسن بن وهب كاتب ابن الزيات.
شعر أبي تمام:
يُعرَف أبو تمام بأسلوبه الرائع وبصياغته الفذة، ويعد من بين أبرز الشعراء في العصر العباسي، فقد أبدع في الشعر الحكمي والوصفي والغزلي، وأتقن استخدام اللغة العربية بمهارة فائقة، وفي هذه الفقرة سنتحدث عن بعض قصائده:
1. مثل ودي لا يغيره:
مِثلُ وُدِّي لا يُغَيِّرُهُ
لَكَ هِجرانٌ وَلا بُعُدُ
وَجُفوني لا يَزالُ بِها
طَيفُ حِلمٍ مِنكَ يَطَّرِدُ
وَضَميري أَنتَ تَعلَمُهُ
لَكَ لا يَلوي بِهِ أَحَدُ
يَا مُقيدَ الشَوقِ مِن كَبِدي
آهِ لا صَبرٌ وَلا جَلَدُ
جَرَحَتني مِنكَ جارِحَةٌ
كُلُّ أَعضائي لَها عَدَدُ
2. أي مرعى عين ووادي نسيب:
أَيُّ مَرعى عينٍ وَوادي نَسيبِ
لَحَبَتهُ الأَيَّامُ في مَلحوبِ
مَلَكَتهُ الصَبا الوَلوعُ فَأَلفَت
هُ قَعودَ البِلى وَسُؤرَ الخُطوبِ
نَدَّ عَنكَ العَزاءُ فيهِ وَقادَ ال
دَمعَ مِن مُقلَتَيكَ قَودَ الجَنيبِ
صَحِبَت وَجدَكَ المَدامِعُ فيهِ
بِنَجيعٍ بِعَبرَةٍ مَصحوبِ
بِمُلِّثٍ عَلى الفِراقِ مُرِبٍّ
وَلِشَأوِ الهَوى البَعيدِ طَلوبِ
3. أرأيت أي سوالف وخدود:
أَرَأَيتَ أَيُّ سَوالِفٍ وَخُدودِ
عَنَّت لَنا بَينَ اللِوى فَزَرودِ
أَترابُ غافِلَةِ اللَيالي أَلَّفَت
عُقَدَ الهَوى في يارَقِ وَعُقودِ
بَيضاءُ يَصرَعُها الصِبا عَبَثَ الصَبا
أُصُلاً بِخوطِ البانَةِ الأُملودِ
وَحشِيَّةٌ تَرمي القُلوبَ إِذا اغتَدَت
وَسنى فَما تَصطادُ غَيرَ الصيدِ
لا حَزمَ عِندَ مُجَرِّبٍ فيها وَلا
جَبَّارُ قَومٍ عِندَها بِعَنيدِ
مالي بِرَبعٍ مِنهُمُ مَعهودُ
إِلَّا الأَسى وَعَزيمَةُ المَجلودِ
خصائص شعر أبي تمام:
يتميز شعر أبي تمام بعدة خصائص تميزه عن غيره من الشعراء العرب، ويمكن تلخيص هذه الخصائص في:
1. غموض المعاني وتعقيدها:
تعد هذه السمة من بين الخصائص البارزة لشعر أبي تمام، فمن خلالها نفى جميع الادعاءات التي يطلقها المحافظون بأنَّ الشعراء القدماء قد استنفدوا جميع المعاني الشعرية، وأنَّ الشعر الحديث لم يعد سوى نسخة مختلفة عنها، ومن ثم عُدَّت عائقاً للتجديد الشعري.
بهدف إثبات قدرته على التجديد والابتكار، سعى أبو تمام إلى إثبات أنَّ شعره يحمل في طياته معانيَ جديدة وأفكاراً متجددة، وهذا جعله من أكثر الشعراء ابتكاراً وتجدداً.
يتميز شعر أبي تمام بالتعقيد والغموض، نتيجة لاعتماده الشديد على توظيف عقله وذكائه في كتابة قصائده، ويعود السبب في اختفاء بعض المعاني لاستخدامه مفردات ومعانٍ أعجمية غريبة، وهذا يجعل فهم الشعر ليس بالأمر السهل، ويتطلب معرفة عميقة باللغة والثقافة.
بهذه الطريقة، يظل شعر أبي تمام تحدياً مشوقاً يسعى كل من يعشق الشعر والأدب إلى فهمه وتفسيره، وهذا يضفي عليه قيمة فنية وأدبية تستحق الاهتمام والدراسة المستفيضة.
2. الإكثار في توظيف البديع:
يعد أبو تمام من الشعراء المتكلفين والمتصنعين في أشعارهم، وخاصة في استخدام البديع؛ فكان مسرفاً في توظيف الطباق، والجناس، والاستعارات في قصائده، لذلك يعد فهم الغرض من قصائده صعباً ويحتاج إلى التأمل بعمق والتفكر في مدلولاته.
3. استخدام الصور المجازية بكثرة:
لم يقتصر شعر أبي تمام على المحسنات اللفظية، فكان بارعاً في استخدام الصور المجازية والبيانية مثل التشبيه والاستعارة، فباتت قصائده تتجاوز المألوف في الشعر العربي.
4. المبالغة:
تجاوز أبو تمام في قصائده حدود الواقع، من خلال المبالغة في معانيه الشعرية.
وفاة أبي تمام:
شهد تاريخ وفاة الشاعر أبي تمام تعدداً في الآراء، فقد اتفق محمد بن موسى وأبو سليمان النابلسي على أنَّه توفي في الموصل عام 231 هجري، وذكر عون بن محمد الكندي أنَّ وفاته كانت في محرم عام 232 هجري، وعاش فيها فترة تحولات كبيرة في الأدب والثقافة العربية، وهذا يضفي على وفاته أهمية خاصة في تاريخ الأدب.
في الختام:
لقد تحدَّثنا عن أحد أبرز شعراء العصر العباسي وهو أبو تمام، فقد جسَّد في شعره مجموعة من القيم الفلسفية والإنسانية والجمالية التي جعلته واحداً من أعظم الشعراء في تاريخ الأدب العربي، من خلال استخدامه للغة العربية بتقنية عالية، وتجاوز حدود الواقع في معانيه الشعرية.