من هو بشار بن برد؟ نسبه وحياته وشعره

نبذة عن بشار بن برد:
اسمه الكامل بشار بن برد العقيلي، وعرف بين العرب بكونه الشاعر المخضرم الذي عاش في فترتين وهما نهاية الخلافة الأموية وبداية الخلافة العباسية، فكان متنوع الأصول، فقد كان فارسياً من الأصل، وعربي المنشأ.
على الرغم من تنوع أصوله، إلا أنَّ بشار بن برد لم يحظ بشعبية كبيرة في عصره؛ بسبب لسانه السليط وتعجرفه واستخدامه المبالغ فيه في الهجاء والسخرية، وعلى الرغم من السلبية في جوانبه الشخصية التي انتقدها الكثيرون، فإنَّه لم يمتنع عن نقل ثقافته الشعرية، فكانت له قيمته الخاصة.
لقد شكَّل بن برد نقلة نوعية في تطور الشعر العربي، فكان من بين المُجدِّدين لحركة الشعر العربي في العصر العباسي، وقدَّم إسهاماته في تطوير الشعر من خلال تحديد خصائصه والابتعاد عن التعقيدات في كثير من الأحيان، وبلغ عدد القصائد 639 قصيدة تتمحور حول المدح والهجاء والشوق والفراق والعتاب.
حياة بشار بن برد:
تختلف الروايات عن تفاصيل حياة الشاعر بشار بن برد، واجتمع معظمهم على أنَّه قد وُلد في عام 714 ميلادي في منطقة قريبة من مدينة البصرة في جنوب العراق، ويقال إنَّه كان أعمى منذ ولادته، وكان يدعى والده برد، ويعود أصل والدته لبني عقيل، وكان يعمل والده طيَّاناً، له شقيقين هما بشر وبشير، وكانا يعملان قصابين، أي في تجارة اللحوم.
على الرغم من كون بشار بن برد أعمى منذ طفولته، إلا أنَّ والدته كانت تصطحبه معها إلى مجالس النساء في سنواته الأولى، ويقال إنَّه عرف عن النساء منذ صغره ما لم تعرفه النساء بعضهن عن بعض، وقد أثرت هذه الطفولة المبكرة بشكل كبير في شعره.
لم تذكر أي رواية عن أي زواج في حياة الشاعر بشار بن برد، إلا أنَّه كان معروفاً بعلاقاته العديدة، وقيل إنَّه عاش حياته بأكملها بالزنا والخمر.
كان يلقب بأبي المعاذ والمرعث، وتختلف الروايات في نسبه الكامل، فيقال إما بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي أو بشار بن برد بن بهيمن العقيلي، حتى كنيته تعرضت لبعض التغييرات، فيذكر أحياناً بني عَقيل وأحياناً بني عُقيل.
في إحدى الفتوحات والمعارك الأموية سلب المهلَّب بن أبي صفرة والذي كان جد بشار بن برد من قبل الأفغانستان، بالتحديد من خراسان إلى البصرة، ويقال وقتها إنَّه أهدى ابنه برد والد بشار لزوجته، التي أهدته بدورها لامرأة من بني عقيل، وعندما أنجب الزوجان ابنهما بشار، أعتقتهما من العبودية ومنحتهما الحرية، ولذلك يعد بشار بن برد عبداً في أغلب المراجع التاريخية.
بات سبب عمى بشار بن برد غير معروف، فيُقال في بعض الروايات إنَّه ولِد أعمى، بينما يُقال في روايات أخرى إنَّه أُصيب بمرضٍ خطير في سن الرابعة وفقد بسببه بصره، وتصفه بعض القصص والمراجع بأنَّه طويل القامة وضخم الجسم، وجاحظ العينين.
شاهد بالفديو: أشهر الكتاب والأدباء العرب ومؤلفاتهم
شعر بشار بن برد:
برز اسم بشار بن برد في سماء الشعر والأدب العربي، فقد جسَّد بأشعاره العميقة والمليئة بالمعاني الجمالية روح الفكر والإبداع في ذلك العصر، الذي تمتزج فيه الأساطير بالحقائق والعواطف بالفلسفة، وهذا جعله محط أنظار كل عشاق الشعر والأدب، وسنتحدث في هذه الفقرة عن بعض قصائد بشار بن برد:
1. بلغ المرعث في الرحيل:
بَلَغَ المُرَعَّثَ في الرَحي
لِ خَرائِدٌ مِنهُنَّ نَحبُه
فَجَفَت يَداهُ عَنِ النُسوعِ
وَشَدَّ بِالأَنساعِ صَحبُه
وَثَناهُما عَن رَحلِهِ
دَمعٌ يَبُلُّ الجَيبَ سَكبُه
وَنَحيبُ مَطروفِ الفُؤاد
ثَوى مَعَ الأَحبابِ لُبُّه
فَالدَمعُ مُنحَدِرُ النِظام
إِذا تَرَقرَقَ فاضَ غَربُه
وَعَقارِبُ الحُبِّ الَّذي
يُخفي مِنَ الوَسواسِ قَلبُه
فَإِذا أَرادَ النَومَ
أَررَقَهُ وَساوِسُ تَستَهِبُّه
2. ألا قل لتلك المالكية أصحبي:
أَلا قُل لِتِلكَ المالِكِيَّةِ أَصحِبي
وَإِلَّا فَمَنِّينا لِقاءَكِ وَاكذِبي
عِدينا فَإِنَّ النَفسَ تُخدَعُ بِالمُنى
وَقَلبُ الفَتى كَالطائِرِ المُتَقَلِّبِ
وَقَد تَأمَني مَن لا يَزالُ مُباعِداً
عَلى قُربِ مَن يَدنو بِسَهلٍ وَمَرحَبِ
فَإِنَّكَ لَو تَجفوكَ أُمٌّ قَريبَةٌ
تَجافَيتَ عَنها لِلبَعيدِ المُقَرِّبِ
إِذا يَئِسَت نَفسُ اِمرِىءٍ مِن قَريبَةٍ
تُبَدَّلَ أُخرى مَركَباً بَعدَ مَركَبِ
فَلا تُمسِكيني بِالهَوانِ فَإِنَّني
عَنِ الهوَنِ ظَعَّانٌ لِقَصدِ المُلَحَّبِ
3. ألا حي ذا البيت الذي لست ناظرا:
أَلا حَيِّ ذا البَيتَ الَّذي لَستُ ناظِراً
إِلى أَهلِهِ إِلَّا بَكَيتُ إِلى صَحبي
أَزورُ سِواهُ وَالهَوى عِندَ أَهلِهِ
إِذا ما استَخَفَّتني تَباريحُ مِن حُبِّي
وَإِن نالَ مِنِّي الشَوقُ واجَهتُ بابَها
بِإِنسانِ عَينٍ ما يُفيقُ مِنَ السَكبِ
كَما يَنظُرُ الصادي أَطالَ بِمَنهَلٍ
فَحَلَّأَهُ الوُرَّادُ عَن بارِدٍ عَذبِ
تَصُدُّ إِذا ما الناسُ كانَت عُيونُهُم
عَلَينا وَكُنَّا لِلمُشيرينَ كَالنَصبِ
عَلى مُضمَرٍ بَينَ الحَشا مِن حَديثِنا
مَخافَةَ أَن تَسعى بِنا جارَةُ الجَنبِ
يُفَنِّدُني عَبدُ العَزيزِ بِأَنَّني
صَبَوتُ إِلى الذَلفاءِ حينَ صَبا تِربي
وَما ذَنبُ مَقدورٍ عَلَيهِ شَقاؤُهُ
مِنَ الحُبِّ عِندَ اللَهِ في سابِقِ الكُتبِ
إقرأ أيضاً: تاريخ الشعر العربي: النشأة والتطور
4. منع النوم طارق من حبابه:
مَنَعَ النَومَ طارِقٌ مِن حُبابَه
وَهُمومٌ تَجولُ تَحتَ الرَهابَه
جَلَسَت في الحَشا إِلى ثُغرَةِ
النِحرِ بِشَوقٍ كَأَنَّهُ نُشَّابَه
وَلَقَد قُلتُ إِذ تَلَوَّى بِيَ الحُب
وَفَوقي مِنَ الهَوى كَالضَبابَه
إِنَّ قَلبي يَشُكُّ فيما تُمَنيني
وَنَفسي حَزينَةٌ مُرتابَه
فَاِذَني لي أَزُركِ أَو سَكِّنيني
بِاِنتِيابٍ لا شَيءَ بَعدَ اِنتِيابَه
لا تَكوني كَمَن يَقولُ وَلا
يوفي كَذاكَ المَلَّاقَةُ الخَلَّابَه
كَيفَ صَبري عوفيتِ مِمَّا أُلاقي
بَينَ نارِ الهَوى وَغَمِّ الصَبابَه
لَيتَ شِعري تَبكينَ إِن مُتُّ مِن حُببِكِ
أَو تَضحَكينَ يا خَشَّابَه
إِنَّني وَالمَقامِ وَالحَجَرِ الأَسوَدِ
وَالبَيتِ مُشرِفاً كَالسَحابَه
أَشتَهي أَن أُدَسَّ قَبلَكِ في التُربِ
لِكَي تُصبِحي بِنا كَالمُصابَه
خصائص شعر بشار بن برد:
يعد بشار بن برد من الشعراء المجدِّدين في العصر العباسي، فتميز شعره بمجموعة من الخصائص الشعرية كانت السبب في جعل شعره الأكثر حفظاً وشهرة، ومنها:
- تميزت أشعار بشار بن برد بالمزج ما بين القديم والحديث، والبداوة والحضارة، والحكمة والخلاعة، كما اقتصر في قصائده على استخدام البحور القصيرة إلى جانب البحور الطويلة مع المحافظة على البنية الشكلية للقصيدة بمعانيها.
- استيعابه تداخل الحضارات وامتزاج الأجناس بعضها ببعض، وهذا ينعكس على أسلوبه الشعري باستخدام الألفاظ القريبة من الناس بعبارات سهلة الحفظ، فكانت أشعار بشار بن برد تعتمد على عمق الفكرة والمفاجأة.
- برع بشار بن برد بالتصوير الفني رغم كونه أعمى البصر، فقد كان يصف الأحداث وصفاً واقعياً دقيقاً عجز عنه المبصرون.
- تعد قصائد بشار بن برد الغزلية حسية تخدش الحياء، لوصفه أحوال الغرام بتفاصيلها؛ وذلك لحبه للخلاعة، وعلى الرغم من عدم معرفة إن كان الغرام لديه تصنعاً أم أنَّ الحب قد أشعل قلبه بالفعل.
- بات الهجاء في أشعاره واضحاً، فقد كان يستخدمه سلاحاً ذا حدَّين، إما لتصفية حسابات شخصية مع أعدائه، أو لمصلحة شخصية وهي كسب المال، وذلك من خلال التهديد والتخويف من الوقوع في هجائه.
وفاة بشار بن برد:
توفي بشار بن برد مقتولاً في عهد الخليفة المهدي، الذي كان من الخلفاء الصارمين في قضايا العقيدة وعدم التساهل فيها، فأمر الخليفة المهدي جنوده بالقضاء على الزنادقة، وكان بشار بن برد من بينهم، وذلك نتيجة الضغائن التي حملها عليه، وخاصة بعد سخريته من الخليفة المهدي، وفي يومٍ من الأيام وُجِدَ بشار في حالة سكر، فأمَرَ المهدي بضربه بالسوط، فتعرَّض لضربٍ مبرح حتى لقي حتفه، ثم دُفِن في البصرة.
ثمة تناقض في الروايات فيما يتعلق بعمر بشار بن برد عند وفاته، فقد ذكر الصفدي في كتابه أنَّه توفي وهو يبلغ من العمر قرابة التسعين عاماً، بينما يُقال إنَّه توفي في سبعينيات عمره، لكن الرأي المتفق عليه أنَّه توفي بعد تجاوزه سن السبعين.
عند تشييع جثمانه، لم يكن هناك إلا امرأة أعجمية سوداء واحدة تصيح (واسيداه!)، لأنَّ الأصدقاء والأنصار كانوا قد هجروه بسبب لسانه السليط، ولم يبقَ له أصدقاء في البصرة إلا القليلين.
إقرأ أيضاً: من هو زهير بن أبي سلمى؟ نسبه وحياته وشعره
في الختام:
لقد تحدَّثنا عن أحد أبرز شعراء العصر العباسي، وما زال شعره متداولاً حتى يومنا هذا، كما يدرَّس في كليات الآداب والإعلام في كثير من جامعات الوطن العربي، لذلك نتمنى أن ينال هذا المقال إعجابكم.