Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التدريس والتعلم

أسلوب العطف في اللغة العربية


تُعدُّ حروف العطف حروفاً جوهرية تساعد على تحقيق انسجام الكلام وتناسقه، وأولى لها الباحثون اهتماماً كبيراً؛ لما تحمله من أثر في بناء النصوص، وتوجيه المعنى، وتوحيد الخطاب، وتحقيق التواصل اللغوي السليم؛ لذا يُعدُّ فهم دور حروف العطف أمراً هامَّاً جداً لكل مَن يرغب في إتقان اللغة العربية، سواء أكان ذلك من جانب المتعلِّمين أم الباحثين أم حتى المتحدِّثين الأصليين، ومن المثير للاهتمام أنَّ استخدامات حروف العطف قد امتدَّت لتشمل مجالات عديدة، منها: الأدب والشعر والخطاب الديني، وهذا يوضح دورها الحيوي والشامل في اللغة العربية.

ما هو أسلوب العطف؟

أسلوب العطف هو وسيلة نحوية تُستخدَم لربط الأفكار والعبارات في الخطاب اللغوي، ويعني “الإتباع”: أي تابع يدلُّ على معنى محدَّد مع متبوعه، ويقوم هذا الأسلوب على استخدام مجموعة من الأدوات المعروفة باسم “حروف العطف”.

تختلف هذه الحروف في الأشكال والمعاني، ويوجد لكلِّ حرف عطف معنى محدَّد أو أكثر يميِّزه عن غيره، ويربط العبارات والجمل؛ لتكوين سياق لغوي مترابط، ويُعرَف العطف عموماً بكونه علاقة تجمع بين جزأين من الجملة، هما (المعطوف والمعطوف عليه) ويرى النحويون أنَّ ثمة عشرة حروف عطف رئيسة، وهي: (الواو، الفاء، ثم، حتى، أو، أم، إمَّا، بل، لكن، لا)، ثمة تباين في آراء النحويين بشأن عدد حروف العطف، فيرى بعضهم أنَّها تصل إلى 9 فقط، ولم يذكروا حرف “إمَّا”، كما زاد بعضهم الآخر عدد الحروف ليصل إلى 11 حرفاً بإضافة “ليس”، وبعضهم أضاف أيضاً “أي” ليبلغ عدد حروف العطف 12 حرفاً.

قسَّم النحويون حروف العطف إلى قسمين:

  • القسم الأوَّل: يشارك المعطوف المعطوف عليه في الحكم والإعراب ويشمل حروف (الواو، الفاء، أم، أو، ثم)، مثل قوله تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ).
  • القسم الثاني: يشارك المعطوف المعطوف عليه في الإعراب دون الحكم، ويشمل (بل، لا، لكن) مثل القول: (انتظرتك وقتاً طويلاً لكنِّي غفوت).

أركان أسلوب العطف

تشمل أركان أسلوب العطف العناصر التي يتضمَّنها هذا الأسلوب، ويقوم العطف بالوساطة بين المعطوف والمعطوف عليه من خلال حرف من حروف العطف، فيتبع الثاني الأول في التعبير والإعراب، ومن ذلك حالات الرفع والنصب والجر والجزم، وبناءً على هذا التفسير، يُمكن تحديد ثلاثة أركان رئيسة لأسلوب العطف:

أنواع العطف

  • عطف اسم ظاهر على اسم ظاهر، مثال (ذهب مازن وأحمد).
  • عطف فعل على فعل، مثال (من يدرسْ ويكتبْ واجباته المدرسية بانتظام، سيكون النجاح حليفه).
  • عطف جملة على جملة ، مثال (الصدق محمود والكذب مذموم).
  • عطف ضمير على ضمير، مثال (إنِّي وإيَّاك إذ حلَّت بأرحلنا…. كمن بواديه بعد المحل ممطورِ).
  • عطف جملة على مفرد، مثال (وما الجار بالراعيك ما دمت سالماً…. ويرحل عند المضلعِ المتَفاقمِ) جملة (يرحل معطوفة على المفرد “الراعيك”).

حروف العطف ودلالتها

تختلف دلالات حروف العطف باختلافها نفسها، وتفصيل ذلك كما يأتي:

1. الواو

أكثر حروف العطف شيوعاً، ويفيد الجمع بين الأشياء، أو المشاركة دون ترتيب محدَّد؛ أي إشراك الثاني فيما دخل فيه الأوَّل، ولا يحتوي على دليل على أيهما كان أولاً، فيعطف الشيء على صاحبه أو على سابقه أو لاحقه، وينفرد حرف الواو بأحكام كثيرة، ويُعدُّ أصل حروف العطف، فهو يعطف مفرداً على مفرد، أو جملة على جملة، أو شبه جملة على مثلها، ومن أمثلته:

  • (اللَّهُ لَا إله إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
  • ذهبتُ إلى المكتبة واشتريتُ كتاباً جديداً.
  • أحبُّ الرسم والمطالعة.
  • زرعتُ الورود في الحديقة وسقيتُها بانتظام.

وترد (و) أيضاً قبل لا الزائدة؛ لتوكيد النفي، مثل قول الشاعر: (ولا تتركاني لا لخيرٍ معجلٍ…. ولا لبقاء تنظران بقائيا).

● الفاء

حرف عطف يفيد الترتيب والتعقيب والسببية والإشراك، ومن أمثلته قول: (وصلتُ إلى المطار، فخرجَ المسافرون) و(أحبُّ أن أتناول القهوة فالطعام بعدها)، وقوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ).

● أو

حرف عطف يعطف مفرد على مفرد، أو جملة على جملة ، ويفيد في:

  • الاختيار بين شيئين أو عدَّة أشياء (أتأكل التفاح أو البرتقال؟).
  • الشك: كقوله تعالى:(قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
  • الإبهام: كقوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهَُّ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ).
  • الإضراب: كقوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ).
  • التقسيم: مثل (الكلمة تكون فعل أو اسم أو حرف).
  • المساواة: سمحت لي أمي أن ألعب كرة القدم أو بالدراجة الهوائية.
  • كما تفيد في الإباحة، والتفصيل، والاستثناء، والتعليل.

● ثمَّ

حرف عطف يعطف فعلاً على فعل، أو اسماً على اسم، أو جملة على جملة، ويمكن أن يعطف جملة فعلية على جملة اسمية وبالعكس، ويفيد الترتيب بمهلة زمنية؛ أي الأول قبل الآخر، من مثل قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

● حتى

حرف عطف يفيد الغاية، وقد يدلُّ على بداية الغاية أو نهاية الغاية، ويعني دخول المعطوف في حكم المعطوف عليه، ولا يعطف الجمل.

لكي تكون (حتى) حرف عطف يجب أن تحقِّق الشروط الآتية:

  • أن تعطف الاسم الظاهر فقط ولا تعطف ضميراً.
  • أن يكون الاسم المعطوف بها بعضاً من جمع، أو جزءاً من كل.
  • أن يكون الاسم المعطوف بها غاية لما قبلها.

من أمثلتها قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ).

● أم

هي حرف عطف ينوب عن تكرار الاسم أو الفعل، قد تتقدَّمه همزة التسوية كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)، أو همزة التعيين كالقول: (أتحبُّ أن تكتب القصة أم الشعر؟)، وتسمَّى “أم المتَّصلة”؛ لأنَّه لا يستغني ما قبلها وما بعدها عن بعضهما، ولا يمكن أن تقع في بداية الكلام؛ لأنَّها تحمل معنى العطف.

● بل

حرف عطف يليه المفرد لا الجملة ويفيد “الإضراب”؛ أي ترك الحكم السابق كقوله تعالى: (أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).

● لكنْ

حرف عطف يعطف مفرد على مفرد يخالفه، ولا يجوز أن يعطف جملة، ويُشترَط لتكون “حتى” حرف عطف ألا تُسبَق بحرف “و”، كقوله تعالى: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون).

إعراب حروف العطف

1. (وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ)

  • وَاللَّهُ: الواو: حرف استئناف.
  • الله: لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
  • خَلَقَكُمْ: فعل ماض مبني على الفتح، و”الكاف”: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • مِنْ تُرَابٍ: (من) حرف جر، (تراب) اسم مجرور وعلامة جرِّه الكسرة الظاهرة على آخره
  • ثُمَّ: حرف عطف.
  • مِنْ نُطْفَةٍ: معطوفة على “من تراب”، وتعرب إعرابها. 

2. (فِي قُلُوبِهِم مَّرَض فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَض وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمُ)

  • فِي: حرف جر.
  • قلُوبِهِمْ: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة، و”هاء الغائب” ضمير متَّصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه، وشبه الجملة في محلِّ رفع خبَر مقَدَّم.
  • مَرَضٌ: مبتدأ مؤَخَّر مرفوع وعلامة رفعه الضمَّة الظاهرة.
  • فَزَادَهُمُ: “الفاء” حرف عطْف مبني على الفتحِ، و(زاد) فعْل ماض مبنِي على الفتحِ، و”هاء الغائب” ضمِير متَّصل مبني على السكون المُقدَّر منعاً لِالتقاء الساكنين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿اللَّهُ﴾: اسم الجلالة فاعلٌ مرفوع وعلامة رفعه الضمَّة الظاهرة.
  • مَرَضاً: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
  • وَلَهُمْ: “الواو” حرف عطف مبنِي على الفتحِ، و”اللام” حرف جرٍّ مبني على الفتح، و”هاء الغائب” ضمير متَّصل مبني على السكون فيمحل جَرٍّ بالحرف، وشبه الجملَة في محلِّ رفع خبرٌ مُقدَّم.
  • ﴿عَذَابٌ﴾: مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمَّة الظاهرة.
  • ﴿أَلِيمٌ﴾: صفة مرفوعة وعلامة رفعها الضمَّة الظاهرة.

في الختام

يظهر بوضوح أنَّ حروف العطف ليست مجرَّد عناصر لازمة لتنظيم الجملة وتجانسها فحسب، بل هي جوهريَّة في بناء الخطاب اللغوي وتحديد معانيه، وتأتي أهميَّة هذه الحروف من تقديمها للصلة بين الأفكار والمفاهيم، وهذا يسهم في جعل النصوص أكثر اتِّساقاً ووضوحاً، وقد أثارت هذه الأهمية اهتمام النحاة واللغويين، الذين أغنوا النقاش فيها بآرائهم المتعدِّدة والمتنوعة، وبفضل الصلة الوطيدة بين حروف العطف وعلوم البلاغة والفقه، فإنَّها قد استطاعت أيضاً لفت انتباه البلغاء والفقهاء الذين منحوها اهتماماً خاصَّاً، وتناولوا أبعادها اللغوية والبلاغية والفقهية بعناية فائقة.

إنَّ تطوُّر فهمنا واستخدامنا لحروف العطف يُظهر تطوُّر فهمنا للغة وقدرتنا على التعبير، وهو ما يبرز دورها الحيوي في اللغة والخطاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى