البحر البسيط وأهم القصائد عنه
سنغوص في هذا المقال في رحلة عبر تاريخ البحر البسيط، ونستكشف أهم القصائد التي نُظِمَت فيه، وسنبدأ بتعريفه وأصله ثم ننتقل إلى عرض بعض النماذج من روائع الشعر العربي في هذا البحر، مثل قصيدة المتنبي “واحرَّ قلباه” و”بانت سعاد” لكعب بن زهير.
سنُسلِّط الضوء على خصائص البحر البسيط وأهميته في الشعر العربي، ونُناقش تأثيره في الشعراء عبر العصور؛ لذا إذا كنت من المهتمين فتابع معنا.
تعريف البحر البسيط:
البحر البسيط هو أحد بحور الشعر العربي، ويتميز بسهولة إيقاعه وجمال موسيقاه، يُعرف ببساطة تركيبه وتنوع أشكاله، وهذا يجعله من أشهر بحور الشعر وأكثرها استخداماً.
أصل التسمية:
اختلفت الآراء بشأن سبب تسمية هذا البحر بالبسيط، فمنهم من قال:
- لانبساط أسبابه: أي تواليها في مستهل تفعيلاته السباعية.
- لانبساط الحركات في عروضه وضربه: فتتوالى فيهما ثلاث حركات في حالة خبنهما.
- لانبساط المعنى فيه: يسهل على الشاعر التعبير عن أفكاره ومشاعره من خلاله.
ما هي استخدامات البحر البسيط؟
يُستخدم البحر البسيط في مختلف أغراض الشعر العربي، لكن لعل أبرزها مثل:
1. المدح:
مدح الملوك والأمراء والشخصيات الهامة.
2. الفخر:
التفاخر بالنفس والأصل والصفات الحميدة.
3. الرثاء:
رثاء الموتى والتعبير عن الحزن عليهم.
4. الغزل:
التعبير عن مشاعر الحب والعشق.
5. الوصف:
وصف المناظر الطبيعية والأشياء المختلفة.
ما هي صفات البحر البسيط؟
1. السهولة:
يتميز البحر البسيط بسهولة إيقاعه وجمال موسيقاه، وهذا يجعله من أسهل البحور العربية على الفهم والتذكر.
2. التنوع:
يُمكن للشاعر استخدام أشكال مختلفة من التفعيلات، وهذا يمنحه حرية التعبير عن مختلف المعاني والأفكار.
3. السعة:
يُمكن للشاعر التعبير عن مختلف المعاني والأفكار من خلال البحر البسيط، بدءاً من المشاعر العاطفية إلى الأفكار الفلسفية العميقة.
4. القوة:
يُمكن استخدام البحر البسيط للتعبير عن المشاعر القوية والأفكار العميقة، وهذا يجعله مناسباً للشعر الوجداني والفلسفي.
5. الجمال:
يتميز البحر البسيط بجمال موسيقاه وإيقاعه، وهذا يجعله مناسباً للشعر الغنائي والوصف.
6. الوضوح:
يُمكن للشاعر استخدام البحر البسيط للتعبير عن أفكاره بوضوح ودقة، وهذا يجعله مناسباً للشعر التعليمي والخطابي.
7. الرصانة:
يُمكن استخدام البحر البسيط للتعبير عن أفكاره بجدية ورصانة، وهذا يجعله مناسباً للشعر الديني والفلسفي.
8. الغزارة:
يُعد البحر البسيط من أكثر بحور الشعر العربي استخداماً، فكتبت به العديد من القصائد الخالدة.
9. التأثير:
يُمكن استخدام البحر البسيط للتأثير في مشاعر القارئ وإثارتها، وهذا يجعله مناسباً للشعر الوطني والحماسي.
10. الخلود:
كتبت العديد من القصائد الخالدة في البحر البسيط، وهذا يدل على قدرته على التأثير في القراء عبر الزمن.
يُعدُّ البحر البسيط من أهم بحور الشعر العربي، وله مكانة خاصة في قلوب الشعراء والجمهور على حدٍّ سواء.
ما هي تفعيلات البحر البسيط؟
إنَّ أهم شيء في علم العروض هو حفظ أوزان وتفعيلات كل بحر، لذا سنستعرض تفعيلات البحر البسيط:
مسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ مسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ
مسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ مسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ
ويمكن حفظه بطريقة أخرى:
إنَّ البسيطَ لديه يبسط الأمل
مسْتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ مسْتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ
نلاحظ أنَّ كل شطر فيه أربع تفعيلات، تفعيلتان أساسيتان مكررتان مرتين في كل شطر، أي ثماني تفعيلات في البيت.
قصائد من البحر البسيط:
لفهم الشعر البسيط جيداً لا بد من التعرف إلى كثير من الأمثلة عن القصائد التي نُظِمَت عليه؛ لذا في هذه الفقرة لا بد أن نستعرض أمثلة للبحر البسيط.
1. قصيدة “زاد العقيق بخد غير منتقب” للشاعر ابن هانئ الأصغر يتغنى هذه القصيدة بجمال محبوبته:
زادَ العقيق بخدٍ غيرِ مُنْتَقِبِ
قاني الغلالَةِ كالهنديِّ مُخْتَضِبِ
بدرٌ تَمَزَّقَ عنه الليلُ حين سرى
كذلك البدرُ يَسْري غَيْرَ محتجب
ذو غُرَّةٍ قُنِّعَتْ بالحسن من قَمَرٍ
ولَبَّةٍ قُلِّدِتْ بالحَلْي من شُهُب
خدٌّ أَلَمَّ لريعانِ الشبابِ به
سحرٌ تدرَّعَ فيه الماءُ باللهب
لا تُصْغِرَنِّي لكونِ الجسم مُغْتَرِباً
فإنَّ في الجسم عقلاً غيرَ مُغْتَرِب
يَغْنَى اللبيبُ بعقلٍ منه عن فِطَنٍ
حيث استقرَّ وعن أُمٍ له وأب
وهل أَخافُ من الأيام نائبةً
وللسديد يدٌ تَسْطُو على النُّوَبِ
2. قصيدة “لا تحسبي شيب رأسي أنَّه هرم” للشاعر ابن أبي حصينة:
كان يصف بياض شعره وضعف جسده بسبب الهم وكتمه الحب وليس بسبب كبره في السن:
لا تَحسَبي شَيبَ رَأسي أَنَّهُ هَرَمُ
وَإِنَّما ابيَضَّ لَمَّا اِبيَضَّتِ اللِمَمُ
وَلا تَظُنِّي نُحولَ الجِسمِ مِن أَلَمٍ
فَالهَمُّ يَفعَلُ ما لا يَفعَلُ الأَلَمُ
كَتَمتُ حُبَّكِ دَهراً ثُمَ بُحتُ بِهِ
وَسِرُّ كُلِّ مُحِبٍّ لَيسَ يَنكَتِمُ
عَذَّبتُمُ بِالهَوى قَلبي وَلا عَجَباً
أَن شَرَّقَ الماءُ وَهوَ البارِدُ الشَبمُ
وَشَفَّ ما في ضَميري مِن مَحبَّتِكُم
وَإِنَّما شَفَّ لَمَّا شَفَّني السَقَمُ
ضِنِّي بِوَصلِكِ أَو مُنِّي عَليَّ بِهِ
فَواحِدٌ عِنديَ الوِجدانُ وَالعَدَمُ
ما أَقبَحَ العِرضَ مَدنُوساً بِفاحِشَةٍ
يَخُطُّها اللَوحُ أَو يَجري بِها القَلَمُ
وَالحُسنُ لا حُسنَ في وَجهٍ تَأَمَّلُهُ
إِن لَم تَكُن مِثلَهُ الأَخلاقُ وَالشِيَمُ
وَلِلشَبِيبَةِ بُنيانٌ تُكَمِّلُهُ
لَكَ الثَلاثونَ عاماً ثُمَّ يَنهَدِمُ
وَمَن يَكُن بِأَبي العُلوان مُعتَصِماً
فَإِنَّهُ بِحِبالِ اللَهِ مُعتَصِمُ
مُبارَكُ الوَجهِ صاغَ اللَهُ طِينَتَهُ
مِن طينَةٍ مِنها الجُودُ وَالكَرَمُ
تُريكَ هَضبَ هُمامٍ في حِجى مَلِكٍ
مِن آلِ مِرداسَ في عِرنينهِ شَمَمُ
3. قصيدة “بين الظبا والعوالي ترفع الرتب” للشاعر محمد الورغي:
كان يصف من يقوم سريعاً لطلب المعالي، ومن يتقاعس عن ذلك:
بَينَ الظُبا وَالعَوَالي تُرفَعُ الرُّتَب
ولا تُرى رَاحةٌ مَا لَمْ يَكُنْ تَعَبُ
وَمَن تَسَامَى لأمرٍ عَزَّ مَطلَبُهُ
وَلَم يَقُمْ غَازِياً لَم يُدْنِه الحَسَبُ
شَتَّانَ بَينَ ثَقِيلِ الجَنْبِ مُنبطِحٍ
وضَامِرٍ في لَظَى الأخْطارِ يَنتَصِبُ
قَد كابَدَ السَّيِّدُ البَاشَا فَمَا قَعَدتْ
بِهِ الدَّوَاعِي وَلاَ أزرَى بَهَ النَّصَبُ
وَاسْتَسهَلَ الصَّعبَ في تَحصِيلِ وَاجِبِهِ
حَتَّى قَضَى فِي المَعَالي كلَّمَا يَجِبُ
يأبَى المْكَارِمَ إلاَّ خَيْرَ أبْعَدهَا
وَيَتَّقِي نَزْرَهَا الدانِي ويَجْتَنِبُ
فأي مَنْزِلَةٍ فَاتَتهُ صَهوَتُهَا
أو رُتْبَةٍ لم يَكُنْ فِيهَا لَهُ خَبَبُ
سَلْ طَالِعَ الأُفُقِ عن مَرمى مَوَاطِئِهِ
تَدْرِي مَنَازِلَهُ الآفَاقُ وَالشُّهُبُ
هَزَّتهُ هَمَّام لَمَّا طَالَ قَاصِرُها
حَتَّى غَدا ظَاهِرُ الْغَبرَاء يَضطَرِبُ
شَقُّوا العَصَا وَسَاروا مُجمِعِينَ عَلى
ما فِيهِ نَقض الهُدى يا بِئسَ ما ارتكبوا
واستَضعَفوا الأمْرَ من أقصى الجَرِيدِ إلى
ما دونَ صَبرَة لاَ يَنْهَاهُم رَهَبُ
أعْرَوا من الأمن مَن جازَ الطَّريقَ بها
فَبَاتَ صِفْراً فَلاَ أهْلٌ ولاَ نَسبُ
كَم مِنْ بَرِيءٍ أبَاحوا رَحْلَهُ فَغَدا
وَهُو من بَعْدِ أتراب لَهُ تَرِبُ
4. قصيدة “يا مزنة الحي يحدو عيسها الحادي” يقول ابن أبي حصينة واصفاً شوقه لمحبوبته:
يا مُزنَةَ الحَيِّ يَحدُو عِيسَها الحادي
هَلَّا شَفَيتِ بِرِيٍّ غُلَّةَ الصادي
زَوَّدتِني نَظرَةً زادَت جَوىً كَبِدِي
ما كانَ ضَرَّكِ لَو أَكثَرتِ مِن زادي
أَمَّا فُؤادي فَقَد أَضحى أَسيرَكُمُ
يا وَيحَهُ مِن فُؤادٍ مالَهُ فادي
مَنُّوهُ زُوراً وَمَنُّوا في المُنى وَعِدُوا
وَعداً جَميلاً وَلا تُوفوا بِميعادِ
كَيفَ الخَلاصُ وَقَد أَضرَمتِ في كَبِدي
زَندَينِ ضِدَّينِ مِن خافٍ وَمِن بادي
أَيَّامَ نَحنُ بِأَعلى الشِعبِ مَنزِلُنا
وَمَنزِلُ الحَيِّ بَينَ السَفحِ وَالوَادي
ما كانَ ضَرَّكُمُ وَالدارُ جامِعَةٌ
وَغُربَةُ البَينِ لَم تَجلِسُ بِمِرصادِ
لَو أَنعَمت بِالمُنى نُعمٌ وَلَو كَرُمَت
سُعدى فَجادَت بِإِسعافٍ وَإِسعادِ
لَم أَنسَها يَومَ وَلَّت وَهيَ غادِيَةٌ
بِمُهجَتي في الفَريقِ المُزمِعِ الغادي
حَسَّانَةُ الجِيدِ مَصقُولٌ تَرائِبُها
مِثلُ العَقيقَةِ في وَطفاءَ مِرعاد
قالَت فَدَتكَ حَياتي وَهِيَ هازِلَةٌ
رُوحي الفِداءُ لِذاكَ الهازِلِ الفادِي
شاهد بالفديو: حقائق ومعلومات قد لا تعرفونها عن اللغة العربية
5. النابغة في الملعقة الشهيرة له تقول:
يا دارَ ميَّةَ بالعلياءِ، فالسَّندِ
أقوَتْ وطالَ عليها سالفُ الأبدِ
وقفْتُ بها أصيلاً كي أُسائلَها
عيَّتْ جواباً وما بالرَّبعِ من أحدِ
خلَّتْ سبيلَ أتيٍ كان يحبسُهُ
ورفَّعتْهُ إلى السَّفجين فالنَّضدِ
6. قصيدة أبو تمام الشهيرة:
السَّيفُ أصدقُ إنباءً من الكتبِ
في حَدِّهِ الحَدُّ بينَ الجِدِّ واللَّعِبِ
بيضُ الصَّفائح لا سودُ الصَّحائف
في مُتونهنَّ جلاءُ الشَّكِّ والريبِ
والعلمُ في شُهُبِ الأرماحِ لامعةً
بين الخمسين لا في السَّبعةِ الشُّهُبِ
في الختام:
إنَّ البحر البسيط هو بحر من بحور الشعر العربي، يتميَّز بإيقاعه السهل وسلاسة تركيبه، وهذا جعله من أكثر البحور استخداماً عبر العصور، وقد نظم الشعراء في مختلف الأغراض الشعرية من مدح ورثاء وفخر وغزل وحكمة وغيرها، مستخدِمين البحر البسيط للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم.