Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التدريس والتعلم

البحر المنسرح وأهم القصائد عنه


منذ الجاهلية وحتى اليوم، لا يمكن تسمية القصيدة العمودية قصيدة إذا لم تخضع لتفعيلات أحد البحور الشعرية أو جوازاته، وأي خلل في ذلك يسمى كسراً، فهو يحطم النغمة الإيقاعية الخاصة بالبيت الشعري ويُذهِب شاعريته، بل ويجعله ثقيلاً على السمع، ويعاب على الشاعر أن يكتب بوزن مكسور، بل إنَّه لا يُمنح لقب الشاعر أصلاً.

في هذا المقال سوف نخصص الحديث عن أحد البحور الشعرية التي وضعها الفراهيدي، وهو البحر المنسرح، وسوف نتحدث عن وزنه وتفعيلاته وجوازاته، ونستعرض معاً أهم وأجمل القصائد التي نظمت عليه.

البحر المنسرح:

البحر المنسرح هو أحد البحور الشعرية الخمسة عشر التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو ينتمي إلى دائرة المشتبه التي تحتوي ستة بحور هي: البحر المنسرح، البحر السريع، البحر المجتث، البحر الخفيف، البحر المضارع، والبحر المقتضب.

سمِّي البحر المنسرح بهذا الاسم لانسراحه أي لسهولته على اللسان، وقيل أيضاً في انسراحه أي لمفارقته لما يحصل بأمثاله، ففي هذا البحر لا تأتي “مستفعلن” ذات الوتد المجموع في الضرب إلا مطوية، بينما تأتي في بحور أخرى سالمة في الضرب، وقلنا إنَّ الضرب هو الكلمة الأخيرة في الشطر الثاني، أما عن استخدام البحر المنسرح فيمكن أن يستخدم تاماً أو منهوكاً.

1. ضابط البحر المنسرح:

مُنْسَرِحٌ فِيْهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُوْلاتُ مُسْتَعِلُ

وبحسب الدوائر العروضية يكون وزن البحر المنسرح:

مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُوْلاتُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُوْلاتُ مُسْتَفْعِلُنْ
/٥/٥//٥  /٥/٥/٥/  /٥/٥//٥ /٥/٥//٥  /٥/٥/٥/  /٥/٥//٥

2. أعاريض البحر المنسرح وأضربه:

إنَّ للبحر المنسرح ثلاثة أعاريض وأربعة أضرب:

  • العروض الأولى للبحر المنسرح تامَّة صحيحة ويكون لها ضربان، الأول مطوي مثل:
إِنَّ ابْنَ زَيْدٍ لا زَالَ مُسْتَعْمِلا لِلْخَيْرِ يُفْشِيْ فِيْ مِصْرِهِ الْعُرُفَا
إِنْنَ بْنَ زَيـْ  دِنْ لازَالَ مُسْتَعْمِلا لِلْخَيْرِ يُفـْ ـشِيْ فِيْ مِصْرِ هِ لْعُرُفَا
/٥/٥//٥  /٥/٥/٥/  /٥/٥//٥ /٥/٥//٥  /٥/٥/٥/  /٥///٥
مستفعلن مفعولاتُ مستعملن مستفعلن مفعولات مستعلن
سالمة سالمة صحيحة سالمة سالمة مطوي

والثاني مقطوع، مثل:

يَقُوْلُ لِلرِّيْحِ كُلَّمَا عَصَفَتْ هَلْ لَكِ يا رِيْحُ فِيْ مُبَارَاتِيْ
يَقُوْلُ لِلرْرِيْحِ كُلْلــمَا عَصَفَتْ هَلْ لَكِ يا  رِيْحُ فِيْ مُـ  ـبَارَاتِيْ
متفعلن  مفعلات  مستعلن مستعلن  مفعلات  مستفعل
//ه//ه  /ه//ه/  /ه///ه /ه///ه  /ه//ه/  /ه/ه/ه
مخبولة  مطوية  مطوية مطوية  مطوية  مقطوع
  • العَرُوْض الثانية للبحر المنسرح منهوكة موقوفة وهي الضرب، مثل: حَتَّا مَ أَحْيَا غَرِيْبْ.
  • العَرُوْض الثالثة للبحر المنسرح منهوكة مكشوفة وهي الضرب، مثل: وَيْلُ امِّ سَعْدٍ سَعْدَا.

الزحافات والعلل في البحر المنسرح:

يجوز في حشو البحر المنسرح ما يأتي:

  • الخبن: ويعني حذف الثاني الساكن فتتحول “مُسْتَفْعِلُنْ” إلى “مُتَفْعِلُنْ” وهو زحاف حسن.
  • الطَّي ويعني حذف الرابع الساكن فتتحول “مُسْتَفْعِلُنْ” إلى “مُسْتَعِلُنْ” وهو زحاف صالح.
  • الْخَبْل ويعني حذف الثاني والرابع الساكنين فتتحول “مُسْتَفْعِلُنْ” إلى “مُتَعِلُنْ” وهو زحاف قبيح.

أما بالنسبة إلى أعاريض البحر المنسرح وأضربه، فيجوز في العروض الأولى “مُسْتَفْعِلُنْ” الخبن وهو قليل، ويجوز الطَّي وهو كثير، وقد تجري المعاقبة بين خبن “مُسْتَفْعِلُنْ” وطيه، إذ لا يصح “مُتَعِلُنْ” وإلا فإنَّه سوف يجتمع فيها مع التاء المتحركة في (مَفْعُوْلاتُ)، والتي يوجد قبلها خمسة متحركات وهذا ما لا يجوز في الشعر.

يمنع الخبن في الضرب الأول “مُتَفْعِلُنْ” وإلا فإنَّه يصبح “مُتَعِلُنْ”، وفيها يجتمع مع التاء المتحركة في (مَفْعُوْلاتُ) التي يوجد قبلها خمسة متحركات، وهذا أيضاً غير جائز في الشعر.

كما يمنع الطي في الضرب النهوك أو العروض المنهوكة، سواء أكانت موقوفة “والوقف يعني إسكان السابع المتحرك مَفْعُوْلاتْ”، أم مكشوفة “ويعني حذف السابع المتحرك مَفْعُوْلا”، ويجوز فيهما الخبن، “مَعُوْلاتْ”، “مَعُوْلا”.

أشهر قصائد البحر المنسرح:

فيما يأتي أشهر قصائد البحر المنسرح، والتي سوف نستشعر فيها خفة هذا البحر على اللسان، والتي أتت تسميته منها:

1. قصيدة امرؤ القيس “إن بني عوف ابتنوا حسب”:

إِنَّ بَني عَوفَ ابتَنوا حَسَبا ضَيَّعَهُ الدُخلُلونَ إِذ غَدَروا
أَدُّوا إِلى جارِهِم خَفارَتِهِ وَلَم يَضَع بِالمَغيبِ مَن نَصَروا
لَم يَفعَلوا فِعلَ آلِ حَنظَلَةٍ إِنَّهُم جيرِ بِئسَ ما ائتَمَروا
لا حِميَرِيٌّ وَفى وَلا عُدَسٌ وَلا استُ عيرٍ يَحُكُّها الثَفَرُ
لَكِن عُوَيرٌ وَفى بِذِمَّتِهِ لا عُوَرٌ شانُهُ وَلا قِصَرُ

2. قصيدة عنترة بن شداد برد تسنيم الحجاز في السحر:

بَردُ نَسيمِ الحِجازِ في السَحَرِ إِذا أَتاني بِريحِهِ العَطِرِ
أَلَذُّ عِندي مِمَّا حَوَتهُ يَدي مِنَ اللَآلي وَالمالِ وَالبِدَرِ
وَمُلكُ كِسرى لا أَشتَهيهِ إِذا ما غابَ وَجهُ الحَبيبِ عَن نَظَري
سَقى الخِيامَ الَّتي نُصِبنَ عَلى شَرَبَّةِ الأُنسِ وابِلُ المَطَرِ
مَنازِلٌ تَطلُعُ البُدورُ بِها مُبَرقَعاتٍ بِظُلمَةِ الشَعَرِ
بيضٌ وَسُمرٌ تَحمي مَضارِبَها أَسادُ غابٍ بِالبيضِ وَالسُمُرِ
صادَت فُؤادي مِنهُنَّ جارِيَةٌ مَكحولَةُ المُقلَتَينِ بِالحَوَرِ
تُريكَ مِن ثَغرِها إِذا ابتَسَمَت كَأسَ مُدامٍ قَد حُفَّ بِالدُرَرِ
أَعارَتِ الظَبيَ سِحرَ مُقلَتِها وَباتَ لَيثُ الشَرى عَلى حَذَرِ
خودٌ رَداحٌ هَيفاءُ فاتِنَةٌ تُخجِلُ بِالحُسنِ بَهجَةَ القَمَرِ
يا عَبلَ نارُ الغَرامِ في كَبدي تَرمي فُؤادي بِأَسهُمِ الشَرَرِ
يا عَبلَ لَولا الخَيالُ يَطرُقُني قَضَيتُ لَيلي بِالنَوحِ وَالسَهَرِ
يا عَبلَ كَم فِتنَةٍ بُليتُ بِها وَخُضتُها بِالمُهَنَّدِ الذَكَرِ
وَالخَيلُ سودُ الوُجوهِ كالِحَةٌ تَخوضُ بَحرَ الهَلاكِ وَالخَطَرِ
أُدافِعُ الحادِثاتِ فيكِ وَلا أُطيقُ دَفعَ القَضاءِ وَالقَدَرِ

3. قصيدة عمرو بن كلثوم “إن تسألي تغلبا وإخوتهم”:

إِن تَسأَلي تَغلِبا وَإِخوَتَهُم يُنبوكِ أَنِّي مِن خَيرِهِم نَسَبا
أُنمى إِلى الصَيدِ مِن رَبيعَةَ وَالـ أَخيارِ مِنهُم إِن حُصِّلوا نَسَبا

4. قصيدة السموأل “لم يقض من حاجة الصبا إربا”:

لَم يَقضِ مِن حاجَةِ الصِبا أَرَبا وَقَد شَآكَ الشَبابُ إِذ ذَهَبا
وَعاوَدَ القَلبَ بَعدَ صِحَّتِهِ سُقمٌ فَلاقى مِنَ الهَوى تَعَبا
إِنَّ لَنا فَخمَةً مُلَملَمَةً تَقري العَدوَّ السِمامَ وَاللَهَبا
رَجراجَةً عَضَّلَ الفَضاءُ بِها خَيلاً وَرَجلاً وَمَنصِباً عَجَبا
أَكنافُها كُلُّ فارِسٍ بَطَلٍ أَغلَبَ كَاللَيثِ عادِياً حَرِبا
في كَفِّهِ مُرهَفُ الغِرارِ إِذا أَهوى بِهِ مِن كَريهَةٍ رَسَبا
أَعدَّ لِلحَربِ كُلَّ سابِغَةٍ فَضفاضَةٍ كَالغَديرِ وَاليَلَبا
وَالسُمرَ مَطرورَةً مُثَقَّفَةً وَالبيضَ تُزهي تَخالُها شُهُبا
يا قَيسُ إِنَّ الأَحسابَ أَحرَزَها مَن كانَ يَغشى الذَوائِبَ القُضُبا
مَن غادَرَ السَيِّدَ السِبَطرَ لَدى ال مَعرَكِ عَمراً مُخَضَّباً تَرِبا
جاشَ مِنَ الكاهِنَينِ إِذ بَرَزوا أَمواجَ بَحرٍ تُقَمِّصُ الحَدَبا
لِنَصرِكُم وَالسُيوفُ تَطلُبُهُم حَتَّى تَوَلَّوا وَأَمعَنوا هَرَبا
وَأَنتَ في البَيتِ إِذ يُحَمُّ لَكَ ال ماءُ وَتَدعو قِتالَنا لَعِبا

5. قصيدة بشر بن أبي خازم “أمسى سمير قد بان فانقطعا”:

أَمسى سُمَيرٌ قَد بانَ فَانقَطَعا يا لَهفَ نَفسي لِبَينِهِ جَزَعا
قوماً فَنوحاً في مَأتَمٍ صَحِلِ عَلى سُمَيرِ النَدى وَلا تَدَعا
ثُمَّ اندُباهُ لِكُلِّ مَكرُمَةٍ لا مُسنَداً عاجِزاً وَلا وَرَعا
كانَ لَنا باذِخاً نَلوذُ بِهِ أَمسى رَماهُ الزَمانُ فَاتَّضَعا
وَكُلُّ نَفسِ امرِئٍ وَإِن سَلِمَت يَوما سَتَحسو لِميتَةٍ جُرَعا
لِلَّهِ دَرُّ القُبورِ ما حُشِيَت أَروَعُ شِبهاً لِلبَدرِ إِذ سَطَعا
أَيَّتُها النَفسُ اجَّمِلي جَزَعاً إِنَّ الَّذي تَحذَرينَ قَد وَقَعا
إِنَّ الَّذي جَمَّعَ المُروءَةَ وَالـ ـنَجدَةَ وَالبِرَّ وَالتُقى جُمَعا
وَالحافِظَ الناسَ في القُحوطِ إِذا لَم يُرسِلوا تَحتَ عائِذٍ رُبَعا
وَهَبَّتِ الشَمأَلُ البَليلُ وَقَد أَضحى كَميعُ الفَتاةِ مُلتَفِعا
عامَ تَرى الكاعِبَ المُنَعَّمَةَ الـ ـحَسناءَ في دارِ أَهلِها سَبُعا
المُخلِفَ المُتلِفَ المُفيدَ إِذا قالَ فَلا عائِبٌ لِما صَنَعا
القائِلَ الفاعِلَ المُرَزَّأَ لَم يُدرَك بِضَعفٍ وَلَم يَمُت طَبَعا
وَالقائِدَ الخَيلَ في المَفازَةِ وَال جَدبِ يُساقونَ خِلفَةً سَرَعا
اللابِسَ الخَيلَ في العَجاجَةِ بِالـ ـخَيلِ تَساقى سِمامَها نُقَعا
أَودى فَلا تَنفَعُ الإِشاحَةُ مِن أَمرٍ لِمَن قَد يُحاوِلُ البِدَعا
لِيَبكِكَ الضَيفُ وَالمَجالِسُ وَالـ ـحَيُّ المُخَوِّي وَطامِعٌ طَمِعا
وَذاتُ هِدمٍ بادٍ نَواشِرُها تُصمِتُ بِالماءِ تَولَبا جَدِعا
إِذ شُبِّهَ الهَيدَبُ العَبامُ مِنَ الـ ـأَقوامِ سَقباً مُجَلَّلاً فَرَعا
وَالحَيُّ إِذ حاذَروا الصَباحَ وَخا فوا ذا غَواشٍ وَسُوِّموا فَزَعا
وَالتَحَمَت حَلقَتا البِطانِ عَلى الـ ـقَومِ وَجاشَت نُفوسُهُم جَزَعا
وَمُسلَمٍ قَد دَعا فَأَنقَذَهُ حَتَّى انجَلى الكَربُ عَنهُ فَانقَشَعا
بِضَربَةٍ يَستَديرُ صاحِبُها أَو طَعنَةٍ لَم تَكُن لَهُ بِدَعا

 

في الختام:

كان هذا مقالنا عن البحر المنسرح، هذا البحر الذي قلنا إنَّه ينتمي إلى البحور الخمسة عشر التي وضعها الفراهيدي، والذي سمي بهذا الاسم نظراً لانسراحه على اللسان وانسيابه بعذوبة وسهولة، نرجو أن نكون قد وُفِّقنا في تقديمه وشرحه، ونرجو أنَّ أمثلتنا من القصائد المختارة والمنظومة على هذا البحر قد نالت إعجابكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى