البحر المحدث وأهم القصائد عنه
البحر المُحْدَثُ هو البحر السادس عشر من بحور الشعر، الذي قِيل إنَّ الخليل الفراهيدي تجاهله في البحور الخليلية الخمسة عشر واستدركه الأخفش الأوسط، وهذا أدى إلى توسع دائرة بحور الشعر لتصبح ستة عشر بحراً، ثمة من يقول إنَّ هذا البحر استدركه (ابن حمَّاد الجوهري)، ويتميز بحرنا المحدث بوجود 148 قصيدة في اللغة العربية بُنيت على وزنه.
سبب تسمية البحر المحدث:
سمي البحر المحدث بعدة تسميات مختلفة، فقد سُمي (بالبحر المحدث)؛ نظراً لحداثة ظهوره وترتيبه السادس عشر والأخير في تسلسل البحور الشعرية الموضوعة، كما أُطلِق عليه لقب (البحر المتدارك)؛ نظراً لأنَّ الأخفش الأوسط تداركه عن بحور الشعر الخمسة عشر التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي، وقيل لأنَّه تدارك البحر المتقارب؛ أي انضم إليه وأخرج السبب عن الوتد، ولنفس هذا السبب سمي (بالبحر الشقيق)، ولأنَّ إيقاعه يشبه ركض الخيل؛ فقد سمي بالبحر الخبب، وبالنظر إلى أنَّ الأخفش قد ابتكره عن بحور الفراهيدي؛ فأطلق عليه لقب البحر (المُخْتَرَعُ)، وأخيراً سمي بالبحر (المُتَّسَقُ)؛ لأنَّ كل أجزائه تتألف من خمسة.
وزن البَحر المحدث:
البحر المحدث هو بحر أحادي التفعيلة، فيرتكز بناؤه على تفعيلة واحدة هي (فَاعِلُنْ) ثماني مرات على الشكل الآتي:
فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ
فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ
والصورة الأحدث له وهي:
فَعِلُن فعِلُن فعِلن فعِلن
فَعِلُن فعِلُن فعِلن فعِلن
ضابط (مفتاح) البحر المحدث:
إحدى الطرائق الفعَّالة التي تُسهِّل فهم وتذكُّر بحور الشعر العربي هي استخدام ما يُعرف بـ “مفتاح البحر” أو “ضابط البحر”، فقد وضع صفي الدين الحلي مفتاحاً لكل بحر، يحمل المفتاح اسم البحر في الشطر الأول، ووزنه في الشطر الثاني، إليكم ضابط البحر المحدث:
أخفش مدرك مطمعا نائل
فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ
يوجد ضابط آخر:
حَرَكَاتُ الْمُحَدثِ تَنْتَقلُ
فَعِلَنْ فَعِلَنْ فَعِلَنْ فَعِلَن
أنواع البحر المحدث:
1. البحر المحدث التام:
وزنه (فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ *** فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ).
2. البحر المحدث المجزوء:
وزنه (فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ **** فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ).
3. البحر المحدث المشطور:
وزنه (فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ **** فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ).
أعاريض البحر المحدث وأضربه:
1. زحاف الخبن:
ويعني سقوط الحرف الساكن الثاني من التفعيلة (فاعلُنْ) لتصبح (فَعِلُنْ).
2. التَّشعيث:
يعني سقوط أول الوتد المجموع من التفعيلة على الشكل الآتي: (فاعلُنْ) لتصبح (فَاْلُنْ).
3. التَّذيل:
يعني إضافة حرف ساكن آخر التفعيلة، على الشكل الآتي (فاعلُنْ)، فتصبح (فاعلان)، والتفعيلة المشعثة (فالان).
4. التَّرفيل:
يعني إضافة سبب خفيف إلى آخر التفعيلة، على الشكل (فاعلُنْ)، فتصبح (فاعلاتن)، والتفعيلة المشعثة (فالاتن).
5. القطع:
يعني سقوط آخر الوتد المجموع (العين واللام والنون) المجموع وتسكين ما قبله، وآخر حرف هو النون، فتسقط وتبقى اللام تصبح (فاعلْ).
مثال عن التقطيع العروضي للبحر المحدث:
المثال |
حَرَكَاتُ الْمُحَدثِ تَنْتَقلُ |
الكتابة العروضية |
حركا/تلمح/دثتن/تقل |
التقطيع العروضي |
///ه /ه/ه ///ه ///ه |
المقابلة |
فَعِلُنْ/ فَالَنْ /فَعِلُنْ/ فَعِلُن |
المثال |
أَبَكَيتَ عَلى طَلَلٍ طَرَباً فَشَجاكَ وَأَحزَنَكَ الطَلَلُ |
الكتابة العروضية |
أَبَكَيْ/ تَعَلَاْ /طَلَلَنْ / طَرَبَنْ / فَشَجَاْ / كَوَأَحْ / زَنَكَاْ / طَلَلَوْ |
التقطيع العروضي |
///ه ///ه ///ه ///ه ///ه ///ه ///ه ///ه |
المقابلة |
فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ |
المثال |
إٍنْ يَكَنْ خَطبُناْ ذَاْ ألمْ فلْاكُنْ صَاْبِراً لِلالمْ |
الكتابة العروضية |
إنيكن خطبنا ذاالم فلاكن صابرا للالم |
التقطيع العروضي |
/ه//ه /ه//ه /ه//ه /ه//ه /ه//ه /ه//ه |
المقابلة |
فَاْعَلُنْ فَاْعَلُنْ فًاْعَلُنْ فَاْعَلُنْ فَاْعَلُنْ فَاْعَلُنْ |
أهم القصائد على البحر المحدث (المتدارك):
1. علي الحصري القيرواني (يا ليل الصَّب متى غده):
يا ليلُ الصبُّ متى غدُه
أقيامُ السَّاعةِ مَوْعِدُهُ
رقدَ السُّمَّارُ فأَرَّقه
أسفٌ للبيْنِ يردِّدهُ
فبكاهُ النجمُ ورقَّ له
ممَّا يرعاه ويرْصُدهُ
كلِفٌ بغزالٍ ذِي هَيَفٍ
خوفُ الواشين يشرِّدهُ
نصَبتْ عينايَ له شرَكاً
في النَّومِ فعزَّ تصيُّدهُ
2. أحمد شوقي (يا مصر سماؤك جوهرة):
يا مصر سماؤك جوهرة
وثراك بحار عسجده
والنيل حياة دافقة
ونعيم عذب مورِده
والملك سعيد حاضره
لك في الدنيا حر غده
والعصر إليك تقربه
وإلى حاميك تودُّده
والشرق رقيك مظهره
وحضارة جيلك سؤدده
3. خليل مطران (ما بين لصوص ولصوص):
مَا بَيْنَ لُصُوصٍ وَلُصُوصٍ
فَرْقٌ فِي الأَعْلَى وَالأَدْنَى
لِصِغَارِهِمُ المَوْتُ المُزْرِي
وَكِبَارِهِمُ الشَّرَفُ الأَسْنَى
4. إبراهيم طوقان (في ثنايا العجاج):
في ثَنايا العَجاج
وَالتحام السُيوف
بَينَما الجَوُّ داج
وَالمَنايا تَطوف
يَتَهادى نَسيم
فيهِ أَزكى سَلام
نَحوَ عَبد الكَريم
الأَمير الهَمام
ريفُنا غابُنا نَحنُ فيه
الأُسود ريفُنا نَحميه
كُلُّنا يُعجبُ بِفَتى المَغربِ
كُلُّنا يَطربُ لانتصار الأَبي
5. لسان الدين بن الخطيب (قسماً بالليل):
قَسماً باللَّيلِ وما وسَقا
وإيَاةِ البدْرِ إذا اتَّسَقا
والنَّجْمِ الثَّاقِبِ حينَ هَوى
رجْماً والصُبْحِ إذا انْفَلَقا
وبنورِ الطُّوْرِ وقدْ أضْحى
مُوسَى لجلالَتِهِ صَعِقا
لَمَخائِلُ مُلْكِكَ تُخْبِرُني
أنَّ التَّأبيدَ لَها خُلِقا
أحْيَيْتَ الدِّينَ وقدْ أوْدَى
وأعَدْتَ المُلْكَ وقد خلِقا
6. أبو القاسم الشابي (غناه الأمسُ):
غَنَّاهُ الأَمْسُ وأَطْرَبَهُ
وشَجَاهُ اليومُ فَما غَدُهُ
قَدْ كانَ لهُ قلبٌ كالطِّفْلِ
يدُ الأَحلامِ تُهَدْهِدُهُ
مُذْ كانَ له مَلَكٌ في الكونِ
جَميلُ الطَّلعَةِ يَعْبُدُهُ
في جوفِ اللَّيْلِ يُناجيهِ
وأَمامَ الفَجْرِ يُمَجِّدُهُ
وعلى الهَضَباتِ يُغنِّيهِ
آياتِ الحُبِّ ويُنْشِدُهُ
لولاهُ لما عَذُبَتْ في
الكونِ مَصَادِرُهُ ومَوارِدُهُ
ولَما فاضَتْ بالشِّعْرِ الحيِّ
مَشَاعِرهُ وقَصَائِدُهُ
تمشي في الغابِ فتَتْبَعه
أَفراحُ الحُبِّ وتَنْشُدُهُ
7. ابن المُقري (أدرى من نام):
أدرى من نام عن الأرق
أو دمع مقاه المستبق
ليل سهر والصبح بكا
وبدونهما تلك الحدق
هجر ونوى منك اجتمعا
وكواحدة ضرب العنق
فارحم صباً قد صب الدمع
على الخدين كما العلق
من حب ولم يرزق حباً
ممن قد حب فذاك شقى
8. الخليل الفراهيدي (سئلوا):
سُئِلوا فَأَبَوا فَلَقَد بَخِلوا
فَلَبِئسَ لَعَمرُكَ ما فَعَلوا
أَبَكَيتَ عَلى طَلَلٍ طَرَباً
فَشَجاكَ وَأَحزَنَكَ الطَلَلُ
9. ولي الدين يكن (الحسن مكانك معبده):
الحسن مكانك معبده
واللحظ فؤادي مغمده
يا سيدتي هذا حر
لم يعرف قبلك سيده
الليل وطيفك يعرفه
إن كان فؤادك يجحده
كم يوحي طرفك لي غزلاً
وأنا في شعري أنشده
10. أحمد فارس الشدياق (قم عجلاً):
قم عجلاً قم سؤلي عندك
وأبلغ إرباً منها جهدك
فلقد ضجرت ولها بعل
يبغي أن يعسلها بعدك
11. ابن دنينير:
أمنَ الهجران غدا جسدي
مضنى وغدت قرحى كبدي
أم من وجد بك أكتمهُ
قد وكَّل جفني بالسهد
فالقلب غريم غرام فيـ
ـك يعالجه حتَّى الأبد
فدموع جفوني في صبب
ولهيب فؤادي في صعَدِ
يا متلف روحي ما علقت
بسوى تعذيب منك يدي
كم أغضى الجفن على مضض
وصدودك قد أوهى جلدي
هب أنَّك قد واصلت أما
بالهجر قطعت قوى جسدي
قسماً بوداد أخلصهُ
ما دار سلوك في خلدي
كلا ولمى اصغى سمعى
لكلام عذولٍ ذي فندِ
12. أبو الحسن بن حريق (أبعيد الشَّباب):
أَبعَيدَ الشَّبابِ هَوى وَصِبا
كلا لا لَهوَ ولا لَعِبا
ذَرتِ السِّتونَ بُرادَتَها
فِي مِسكِ عِذارَكِ فاشتَهَبَا
يا نفسُ أحيَي تَصِلِي أمَلاً
عيشي رَجَباً تَرَي عَجَبا
فَخُذَن فِي شُكرِ الكَبرَةِ مَا
جاءَ الإِصباحُ وَمَا ذَهَبَا
فِيها أحرَزتَ مَعَارِفَ مَا
أبلَيتَ لِجِدتِهِ الحِقَبا
وَالخمرُ إِذا عُتِّقَت وَصَفَت
أغلَى ثمَناً مِنهَا عِنَبَا
وَبَقيَّةُ عُمرِ المَرءِ لَهُ
إِن كانَ بِها طَبَّاً دَرِبا
يَبنِي فِيهَا بإِنَابَتِهِ
ما هَدَّمَهُ أيامَ صِبا
وَيُنَبِّهُ عَينَ تُقىً هَجَعَت
وَيُعمِّرُ بيت حِجىً خرِبا
ويُحَبُر فيها الشِّعرَ على
وَزنٍ هَزج يُدعَى الخَبَبا
وَحشٍ في العُربِ مَنازِلُهُ
مَجهولِ الأصلِ إذا نُسِبا
سَهلِ التَّقطِيعِ وَلَكِن لَم
يُنطق بَارِيكَ بِهِ العَرَبا
نَكِرَتهُ فَلَم يَضرِب وَتِداً
فِي الحَيِّ وَلَم يَمدُد سبَبَا
في الختام:
تعبِّر بحور الشعر الستة عشر عن غنى اللغة العربية وتنوُّعها، وتمثِّل تحدياً مستمراً للشعراء والمهتمين بالأدب لاستكشافها واستخدامها بطرائق جديدة في قصائدهم الشعرية، للبحر المحدث الذي وضعه الأخفش الأصغر ثلاثة أنواع؛ وهي التام والمجزوء والمشطور، وصور تفعيلاته هي (فاعلن، فعلن، فالن، فاعلان، فالان فاعلاتن، فالاتن) ولا يوجد عدد كبير من القصائد في اللغة العربية من هذا البحر؛ وذلك بسبب حداثته بالمقارنة مع البحور الخمسة عشر الأخرى.