البحر المتقارب وأهم القصائد عنه
لقد أدت هذه الخصوصية إلى انتشار واسع لهذا البحر في الشعر العربي، إذ يُلاحظ وجود 4142 قصيدة بُنِيَت عليه، وهذا يجعله أحد أبرز الأنماط الشعرية السائدة، سنوضح في هذا المقال البحر المتقارب، وزنه، ومفتاحه، وأفضل القصائد في اللغة العربية التي اتخذته وزناً لها.
سبب تسمية البحر المتقارب بهذا الاسم:
سمي البحر المتقارب بهذا الاسم لتقارب أجزائه؛ أي تماثلها، فكلها خماسية تشبه بعضها بعضاً، فهي مفردة وبسيطة، ويبنى على تكرار تفعيلة واحدة هي (فعولن) أربع مرات؛ لذا يعد البحر المتقارب من بحور الشعر الصافية، وعادة ما يكتب الشعر الحر على هذا النوع.
وزن البحر المتقارب:
من خلال وزنه الخاص وبنيته المتميزة، يُعد البحر المتقارب أحد الأنماط الشعرية المميزة في الشعر العربي الكلاسيكي والحديث، ويتميز هذا البحر بتكرار التفعيلة (فَعُوْلُنْ) في أربع مرات متتالية، أي إنَّه يبنى على تفعيلة (فَعُوْلُنْ) ليصبح وزنه:
فَعُوْلُنْ فَعُوْلُنْ فَعُوْلُنْ فَعُوْلُنْ
فَعُوْلُنْ فَعُوْلُنْ فَعُوْلُنْ فَعُوْلُنْ
مفتاح البحر المتقارب:
من بين أساليب تسهيل فهم وتذكر بحور الشعر العربي هو استخدام ما يُعرف بـ “مفتاح البحر” أو “ضابط البحر”، وتمثل هذه المفاتيح بأبيات شعرية وُضِعَت لهذا الغرض من قبل صفي الدين الحلي، وتحمل هذه الأبيات اسم البحر في الشطر الأول، ووزنه في الشطر الثاني، وفيما يأتي مفتاح بحر المتقارب:
عن المتقارب قال الخليلُ
فعولن فعولن فعولن فعولُ
أنواع البحر المتقارب:
1. البحر المتقارب التام:
يتميز البحر المتقارب التام بتكونه من ثماني تفعيلات مكررة بحيث يتضمن كل شطر أربع تفعيلات:
فعولن فعولن فعولن فعولن
فعولن فعولن فعولن فعولن
2. البحر المتقارب المجزوء:
يتكون البحر المتقارب المجزوء من ست تفعيلات، أي ثلاث تفعيلات في كل شطر من البيت الشعري:
فعولن فعولن فعولن
فعولن فعولن فعولن
أعاريض البحر المتقارب وأضربه:
العروض هو التفعيلة الأخيرة بالشطر الأول، بينما الضرب هو التفعيلة الأخيرة بالشطر الثاني، وبالبحر المتقارب ثمة عروضان وستة أضرب:
- الحذف: حذف الخامس الساكن (فَعُوْلُنْ) لتصبح (فَعُوْلُ).
- القصر: حذف الخامس الساكن وتسكين ما قبله (فَعُوْلُنْ) لتصبح (فَعُوْلْ).
- الحذف: إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة (فَعُوْلُنْ) لتصبح (فَعُوْ).
- الأبتر: (فَعُوْلُنْ) تصبح (فَعْ).
مثال عن التقطيع العروضي على البحر المتقارب
تَوَقَّتْكَ سِرَّاً وزارَتْ جِهارا | وهلْ تَطْلُعُ الشمسُ إلا نهارا |
توققت ك سررن وزارت جهارا | وهل تط لعششم سُ إل لا نهارا |
//ه/ه //ه/ه //ه/ه //ه/ه | //ه/ه //ه/ه //ه/ه //ه/ه |
فعولن فعولن فعولن فعولن | فعولن فعولن فعولن فعولن |
أهم القصائد على البحر المتقارب:
1. امرئ القيس (تطاوَلَ لَيلُكَ بِالأَثمَدِ):
تطاوَلَ لَيلُكَ بِالأَثمَدِ
وَنامَ الخَلِيُّ وَلَم تَرقُدِ
وَباتَ وَباتَت لَهُ لَيلَةٌ
كَلَيلَةِ ذي العائِرِ الأَرمَدِ
وَذَلِكَ مِن نَبَأ جاءَني
وَخُبِّرتُهُ عَن أَبي الأَسوَدِ
وَلَو عَن نَثاً غَيرِهِ جاءَني
2. عنترة بن شداد (أرض الشربة):
أَرضُ الشَرَبَّةِ شِعبٌ وَوادي
رَحَلتُ وَأَهلُها في فُؤادي
يُحَلونَ فيهِ وَفي ناظِري
وَإِن أَبعَدوا في مَحَلِّ السَوادِ
إِذا خَفَقَ البَرقُ مِن حَيِّهِم
أَرِقتُ وَبِتُّ حَليفَ السُهادِ
وَريحُ الخُزامى يُذَكِّرُ أَنفي
نَسيمَ عَذارى وَذاتِ الأَيادي
أَيا عَبلَ مُنِّي بِطَيفِ الخَيالِ
عَلى المُستَهامِ وَطيبِ الرُقادِ
وَجُرحُ اللِسانِ كَجُرحِ اليَدِ
3. أوس بن حجر (خُذلت على ليلة):
خُذِلتُ عَلى لَيلَةٍ ساهِرَه
بِصَحراءِ شَرجٍ إِلى ناظِرَه
تُزادُ لَيالِيَّ في طولِها
فَلَيسَت بِطَلقٍ وَلا ساكِرَه
كَأَنَّ أَطاوِلَ شَوكِ السِيالِ
تَشُكُّ بِها مَضجَعي شاجِرَه
أَنوءُ بِرِجلٍ بِها ذِهنُها
وَأَعيَت بِها أُختُها الغابِرَه
4. السموأل (بالأبلق الفرد بيتي به):
بِالأَبلَقِ الفَردِ بَيتي بِهِ
وَبَيتُ المَصيرِ سِوى الأَبلَقِ
بِبَلقَعَةٍ أَثبَتَت حُفرَةً
ذِراعَينِ في أَربَعٍ خَيسَقِ
فَلا أَدفَعُ الضَيفَ عَن رِزقِهِ
لَدَيَّ إِذا قيلَ لَم يُرزَقِ
وَفي البَيتِ ضَخماءُ مَملوءةٌ
وَجَفنٌ عَلى هَمِعٍ مُدهَقِ
أُبيتُ الَّذي قَد أَتى عادِياً
وَحَيَّاً مِنَ الحَلَقِ الأَورَقِ
5. ابن الفارض (خليليَّ إن جئتما):
خليَليَّ إن جئُتما منزِلي
ولم تَجِدَاهُ فسيحاً فَسِيحا
وإن رُمْتُمَا منطِقاً من فَمي
ولم تسْمَعَاهُ فصيحاً فَصِيحَا
6. محمود درويش (أمي):
أحنُّ إلى خبز أمي وقهوة أُمي
ولمسة أُمي.. وتكبر فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدر يومِ
وأعشَقُ عمرِي لأنِّي
إذا مُتُّ، أخجل من دمع أُمي
7. ابن جبير الشاطبي (هنيئاً لمن حج بيت الهدى):
هنيئاً لمن حج بيت الهدى
وحطَّ عن النفس أوزارها
وإنَّ السَّعادة مضمونَةٌ
لمن حلَّ طيبة أَوزارها
8. ابن سناء الملك (ولما مررت بدار الحبيب):
ولما مررتُ بدارِ الحبيب
وقد خابَ من ساكنيها ظُنوني
حَطَتُ همومَ جُفُونِي بها
لأَنَّ الدموعَ همُومُ الجُفُون
9. جرير (ألست اللئيم وفرخ اللئيم):
أَلَستَ اللَئيمَ وَفَرخَ اللَئيمِ
فَما لَكَ يا ابنَ أَبي كامِلِ
أَخالَفتَ سَعداً وَحُكَّامَها
أَيا ضَرَّةَ الأَرنَبِ الحافِل
فَلَولا زِيادٌ وَحُسنُ البَلاءِ
وَإِنِّي أَهابُ أَبا كامِلِ
لَنالَ أَبا كامِلٍ وَابنَهُ
صَواعِقُ مِن بَرِدٍ وابِلِ
10. أحمد شوقي (سألت حبيبي في قبلة):
سألت حبيبيَ في قبلة
فما نعنيها بحكم الخجل
فلازمت صبري حتى غفا
وملت على خدِّه بالقبل
فنضَّى عن الجفن ثوب الكرى
وعما جرى بيننا لا تسل
وقال جرحت بوقع الشفاه
خدودي وذنبك لا يحتمل
فقلت أنت جرحت الحشا
وأدميته بسهام المُقَل
وفي الشرع إنَّ الجروح قصاص
جُرح بجرح حكم عدل
فأبدى الحبيب ابتسام الرضا
ومال كغصن النقا واعتدل
11. ابن الرومي (سُقِيتُنَّ يا مَنْزِلاتِ الهوى):
سُقِيتُنَّ يا مَنْزِلاتِ الهوى
بوادي الشريجةِ صوب الحيا
ولا زال مسرحُ غِزْلانكُنَّ
مَريعَ المَحلَّةِ والمُنْتأَى
وجاوَرتِ الروض حيثُ الحسانُ
تغضُّ النهى من عيون المها
مواقف حورِ بناتِ الخُدورِ
يُبكِّينَ أعينَ من قد هوى
12. المتنبي (أحب امرئ):
أَحَبُّ اِمرِئٍ حَبَّتِ الأَنفُسُ
وَأَطيَبُ ما شَمَّهُ مَعطِسُ
وَنَشرٌ مِنَ النَدِّ لَكِنَّما
مَجامِرُهُ الآسُ وَالنَرجِسُ
وَلَسنا نَرى لَهَباً هاجَهُ
فَهَل هاجَهُ عِزُّكَ الأَقعَسُ
وَإِنَّ الفِئامَ الَّتي حَولَهُ
لَتَحسُدُ أَرجُلَها الأَرؤسُ
شاهد بالفديو: أشهر الكتاب والأدباء العرب ومؤلفاتهم
13. بديع الدين الهمذاني (أيا جامع المال):
أيا جامع المال من حله
يبيت ويصبح في ظله
سيؤخذ منك غداً كله
وتسأل من بعد عن كله
14. أبو العتاهية (أشد الجهاد، جهاد الهوى):
أشَدُّ الجِهادِ جِهادُ الهَوى
وَما كَرَّمَ المَرءَ إِلا التُقى
وَأَخلاقُ ذي الفَضلِ مَعروفَةٌ
بِبَذلِ الجَميلِ وَكَفِّ الأَذى
وَكُلُّ الفُكاهاتِ مَملولَةٌ
وَطولُ التَعاشُرِ فيهِ القِلى
وَكُلُّ طَريفٍ لَهُ لَذَّةٌ
وَكُلُّ تَليدٍ سَريعُ البِلى
وَلا شَيءَ إِلا لَهُ آفَةٌ
وَلا شَيءَ إِلا لَهُ مُنتَهى
وَلَيسَ الغِنى نَشَبٌ في يَدٍ
وَلَكِن غِنى النَفسِ كُلُّ الغِنى
15. حافظ إبراهيم (حطمت اليراع فلا تعجبي):
حَطَمتُ اليَراعَ فَلا تَعجَبي
وَعِفتُ البَيانَ فَلا تَعتَبي
فَما أَنتِ يا مِصرُ دارُ الأَديبِ
وَلا أَنتِ بِالبَلَدِ الطَيِّبِ
وَكَم فيكِ يا مِصرُ مِن كاتِبٍ
أَقالَ اليَراعَ وَلَم يَكتُبِ
فَلا تَعذِليني لِهَذا السُكوتِ
فَقَد ضاقَ بي مِنكِ ما ضاقَ بي
أَيُعجِبُني مِنكِ يَومَ الوِفاقِ
سُكوتُ الجَمادِ وَلِعبُ الصَبي
وَكَم غَضِبَ الناسُ مِن قَبلِنا
لِسَلبِ الحُقوقِ وَلَم نَغضَبِ
أَنابِتَةَ العَصرِ إِنَّ الغَريبَ
مُجِدٌّ بِمِصرَ فَلا تَلعَبي
يَقولونَ في النَشءِ خَيرٌ لَنا
وَلِلنَشءِ شَرٌّ مِنَ الأَجنَبي
16. جبران خليل جبران (بدتْ لك في روضة):
بَدَتْ لَكَ فِي رَوْضَةٍ وَرْدَةٌ
وَأَنْتَ جَنَيْتَ وَنِعْمَ الجَّنَى
بَلَغْتَ أحَبَّ المُنَى فِي الحَيَاةِ
وَإنَّ الحَيَاةَ جَمِيعاً مُنَى
17. ابن زيدون (لَئِن فاتَني مِنكِ):
لَئِن فاتَني مِنكِ حَظُّ النَظَر
لِأَكتَفِيَن بِسَماعِ الخَبَر
وَإِن عَرَضَت غَفلَةٌ لِلرَقيبِ
فَحَسبِيَ تَسليمَةٌ تُختَصَر
أُحاذِرُ أَن تَتَظَنِّي الوُشاةُ
وَقَد يُستَدامُ الهَوى بِالحَذَر
وَأَصبِرُ مُستَيقِناً أَنَّهُ
سَيَحظى بِنَيلِ المُنى مَن صَبَر
18. ابن خفاجة (أطلَّ):
أَطَلَّ وَقَد خُطَّ في خَدِّهِ
مِنَ الشَعرِ سَطرٌ دَقيقُ الحُروفِ
فَقُلتُ أَرى الشَمسَ مَكسوفَةً
فَقوموا نُصَلِّي صَلاةَ الكُسوفِ
19. المعتمد بن عباد (أيا نفس لا تجزعي):
أَيا نَفسُ لا تَجزَعي وَاِصبِري
فَإِنَّ الهَوى ما بِهِ مُنصفُ
حَبيبٌ جَفاك وَقَلبٌ عَصاكَ
وَلاح لَحاك وَلا مُلطِفُ
شُجونٌ مَنعن الجُفونَ الكَرى
وَعَوَّضنَها أَدمُعاً تُنزَفُ
20. أبو العلاء المعري (أترغب في الصيت):
أَتَرغَبُ في الصيتِ بَينَ الأَنامِ
وَكَم خَمَلَ النابِهُ الصَيِّتُ
وَحَسبُ الفَتى أَنَّهُ مائِتٌ
وَهَل يَعرِفُ الشَرَفَ المَيِّتُ
في الختام:
البحر المتقارب، وزن شعري، يحمل في طياته جمال اللغة العربية، بمراجعة القصائد التي تعتمد على وزن البحر المتقارب، ندرك تأثيره العميق في نفس القارئ، فهو يعزز السحر والجمال في التعبير الشعري، ويعكس الروح الجميلة للغة العربية وثقافتها الغنية، ولذا، لم يكن من الغريب أن استخدمه معظم الشعراء سواء في العصور القديمة أم الحديثة، فسهولة تفعيلاته وتنوع استخداماته يجعله خياراً مفضلاً لأكثر الشعراء.