البحر المجتث وأهم القصائد عنه
وضع الفراهيدي خمس عشرة بحراً هي (الكامل، الرمل، الرجز، والهزج، والوافر، المتقارب، الطويل، البسيط، المديد، السريع، الخفيف، المقتضب، المنسرح، المضارع، المجتث)، ومن ثم أضاف الأخفش الأصغر بحراً إضافياً ليُصبح العدد ستة عشر بحراً بوجود بحر (المستدرك)، ويعد البحر المجتث أحد هذه البحور الهامة، لا سيما أنَّه يشكل الأساس لعدد كبير من قصائد اللغة العربية، التي يبلغ عددها 1426 قصيدة على الأقل، سنوضح في هذا المقال البحر المجتث ووزنه وأهم القصائد عنه.
سبب تسمية البحر المجتث:
يسمى البحر المجتث بهذا الاسم لأنَّه اجتُثَّ أو قُطِع من دائرة الطويل، كما قِيل إنَّه سمي بهذا الاسم لأنَّه اجتُثَّ من البحر الخفيف بإسقاط تفعيلته الأولى، وهو في الواقع عبارة عن قلب مجزوء الخفيف كما يأتي:
وزن مجزوء البحر الخفيف | فاعِلاتُن مُسْتفْعِلُن |
وزن البحر المجتث | مُسْتفْعِلُن فاعِلاتُن |
وزن البحر المجتث بحسب الدائرة العروضية:
يعد البحر المجتث من بحور الشعر الثنائية التفعيلية، فيستند إلى تفعيلتي “مُسْتَفْعِلُنْ” و”فَاْعِلاتُ”، ووزنه:
مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلاتُنْ | مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلاتُنْ |
كما أنَّ البحر المجتث يستعمل مجزوءاً فقط على الشكل الآتي: “مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلاتُ”.
مفتاح (ضابط) البحر المجتث:
تُعد مفاتيح البحور جوانب أساسية في فن العروض الشعري، فتُقدم بوابةً مبسطةً لفهم وحفظ أوزان البحور الشعرية، وتتكون المفاتيح عادةً من بيت شعري يحتوي على اسم البحر في الشطر الأول، تليه تفعيلاته في الشطر الثاني، تعد هذه المفاتيح وسيلة فعالة للتعرف إلى بنية البحور وتسهيل عملية الاستيعاب والتذكر للشعراء والمهتمين بفنون الشعر، وبالنسبة إلى البحر المجتث فمفتاحه هو:
إنْ جُثَّتِ الْحَرَكَاتُ | مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلاتُ |
أعاريض البحر المجتث وضروبه:
يمثل العروض التفعيلة الأخيرة في الشطر الأول من البيت الشعري، بينما يُعد الضرب التفعيلة الأخيرة في الشطر الثاني، وفيما يتعلق بالبحر المجتث، يتكون من عرض واحد وضرب واحد أيضاً، ففي عروض البحر المجتث يمكن أن تتحول (فَاْعِلاتُنْ) إلى (فَعِلاتن)، وفي ضروبه يمكن أن تتحول (فَاْعِلاتُنْ) إلى (فَعِلاتن) أو (فَالاتُنْ).
حشو البحر المجتث:
في حشو البحر المجتث ثمة زحاف الْخَبْن: حذف الحرف الساكن الثاني من (مُسْتَفْعِلُنْ) لتصبح (مُتَفْعِلُنْ).
المثال | فِي النَّفْسِ شِعْرٌ كَثِيْرٌ يَضيْقُ عَنْهُ بَيَاْنِيْ | |||
التقطيع | ف ننفسن شع | رن كثيرن يضيق عن | ه بياني | |
الرمز | /ه/ه//ه | /ه//ه/ه | //ه//ه | ///ه/ه |
الوزن | مُسْتَفْعِلُنْ | فَاْعِلاتُنْ | مُتَفْعلُنْ | فَعِلاتُنْ |
المثال | البطن منها خميصٌ والوجه مثل الهلال | |||
التقطيع | البطن من | ها خميص | ولوجه مث | ل هلالي |
الرمز | /ه/ه//ه | /ه//ه/ه | /ه/ه//ه | /ه//ه/ه |
الوزن | مُسْتَفْعِلُنْ | فَاْعِلاتُنْ | مُستَفْع لُنْ | فَاْعِلاتُنْ |
المثال على الشذوذ في البحر المجتث | يا من على الحبِّ يَلحي مستهاما لا تلحني إنَّ مثلي لنْ يلاما | |||||
التقطيع | يا من على | حبب يلحي | مستهاما | لا تلحني | إنن مثلي | لن يلاما |
الرمز | /ه/ه//ه | /ه//ه/ه | /ه//ه/ه | /ه//ه/ه | /ه//ه/ه | /ه//ه/ه |
الوزن | مُسْتَفْعِلُنْ | فَاْعِلاتُنْ | فَاْعِلاتُنْ | مُسْتَفْعِلُنْ | فاْعِلاتُنْ | فاْعِلاتُنْ |
أهم القصائد على البحر المجتث:
1. مبارك بن حمد العقيلي (عن حبكم صح قلبي):
عن حبكم صح قلبي فليس فيه غرام
بعتم فلاناً رخيصاً بغير ذنبٍ يرام
دعواكم الحب كذباً فلا عليكم سلام
أنتم أناس سكارى في غيكم بل نيام
لما رأينا جفاكم حقاً وطال الكلام
لمنا النفوس فقالت حاشا علينا ملام
إنَّ الملام عليكم إن دام هذا الهيام
هونوا فأنتم كرام وللكرام احترام
2. ابن الجنان ( يا رب بلغْ سلامي):
يا رب بلغْ سلامي لأحمدٍ ذي الشفاعهْ
لخاتم الرسل أعني إمامَ تلك الجماعة
لأبهرِ الخلق مجداً يحكي الصباحَ نصاعه
لمن صفاتُ علاه تعجيزُ أهل البراعةْ
لسيِّدٍ لسناه يزهى السنا والبراعهْ
لمرشدٍ بهداه قد فاز عبد أطاعه
شاهد بالفديو: أشهر الكتاب والأدباء العرب ومؤلفاتهم
3. ابن سناء الملك (أدنو إليك فأقصى):
أَدنو إِليكَ فأُقْصَى وكم أَطيعُ فأُعْصَى
جَوْراً تَقَصَّيْتَ فيه وجائِرٌ من تَقَصَّى
عِشْقِي كمالٌ فما لِي أَرَاهُ عِنْدَكَ نَقْصَا
وليس تُحْصَى ذُنُوبي ما لَمْ يكُنْ لَيْسَ يُحْصَى
حَرصْتُ فيكَ وقِدْما لم يَتْبعِ النُّجْعُ حِرْصَا
سعيتُ مذ غبتَ لكن لم أَرْضَ بالشَّمْس قُرْصا
فكان قَلْبِيَ قَصْراً فصارَ بالهَمِّ خُصَّاً
4. أحمد شوقي:
روحي ولذة عيني عوَّذته بالحسين
سلالتي من علي ولدته مرتين
أحببته كأبيه وزدته حبتين
طفل علينا أمير مقبل الركبتين
رضاه غير قليل وسخطه غير هين
يقصى ويدنى بأولى إشارة الراحتين
5. بديع الدين الهمذاني (ما كان ليلي ليلاً):
ما كان ليلي ليلاً لكن نهاري أغرَّا
سامرت فيه بطرفي بدراً وعوداً وخمرا
نكدُّ عودين هذا جمراً وذلك نقرا
ثم شربنا وطبنا حتى انقضى الليل شطرا
ثم التحفنا إزاراً كتوأم اللوز قشرا
ثم اعتنقنا عناقاً يصيِّر الشفع وترا
وما برحنا إلى أن صاح المؤذن جهرا
نادى المقيت وقام الغزال عني فمرا
إقرأ أيضاً: ما هو الشعر العربي؟ وما هي أنواعه وموضوعاته؟
6. أبو نواس (مَلَأتِ قَلبي نُدوبا):
مَلَأتِ قَلبي نُدوباً فَصِرتُ صَبَّاً كَئيبا
عَلَّمتِ دَمعِيَ سَكباً وَمُقلَتَيَّ نَحيبا
ما مَسَّكِ الطيبُ إِلَّا أَهدَيتِ لِلطيبِ طيبا
عَدَدتِ أَحسَنَ ما فيني يا ظَلومُ ذُنوبا
أَقَمتِ دَمعي عَلى ما يَطوي الضَميرُ رَقيبا
وَتَضحَكينَ فَأَبكي طَلاقَةً وَقُطوبا
أَلقَيتِ ما بَينَ طَرفي وَبَينَ قَلبي حُروبا
بَينَ الجَوانِحِ نارٌ تَدعو الغَزالَ الرَبيبا
فَلا يَرُدُّ جَوابي وَلا يَحُلُّ قَريبا
جِنانُ يا نورَ عَيني نَهَكتِ جِسمي خُطوبا
إِن غِبتِ عَنِّي فَقَلبي يَوَدُّ أَلَّا يَغيبا
7. جبران خليل جبران (أليس شيئاً عجيباً):
أَلَيْسَ شَيْئاً عَجِيباً صَرْحٌ وَيُدْعَى بِغُرْفَهْ
تَنَاقُضٌ فِيهِ سِرٌّ تَجْلُو الْبَدَاهَةُ لُطْفَهْ
وَمَا التَّوَاضُعُ عَجْزٌ إِنَّ التَّوَاضُعَ عِفَّهْ
صَرْحٌ بِهِ كُلُّ غُنْمٍ لِمَنْ يُقَلبُ طَرْفَهْ
فِي كُلِّ مَطْرَحِ لَحْظٍ مِنَ الصِّناعَاتِ طُرْفَهْ
وَمِنْ عُرُوضِ التجَارَاتِ تُحْفَةٌ عِنْدَ تُحْفَهْ
أَلنَّسْجُ يُبْدِي حُلاهُ وَالطِّيْبُ يَبْذُلُ عَرْفَهْ
مَتَانَةٌ فِي رُوَاءٍ وَحُسْنُ ذَوْقٍ وَخِفَّهْ
8. ابن زيدون (يا قاطعاً حبل ودي):
يا قاطِعاً حَبلَ وُدِّي وَواصِلاً حَبلَ صَدِّي
وَسالِياً لَيسَ يَدري بِطولِ بَثِّي وَوَجدي
لَو كانَ عِندَكَ مِنِّي مِثلُ الَّذي مِنكَ عِندي
لَبِتَّ بَعدِيَ مِثلي وَبِتُّ مِثلَكَ بَعدي
9. بلبل الغرام الحاجري (لمني فلومك جهل):
لُمني فَلَومُكَ جَهل ما أَنتَ لِلعِشقِ أَهلُ
أَما عَلِمتَ بِعَذلِ العُشَّاقِ لَيسَ يَحلُ
إِلَيكَ عَنِّي فَعِندي مِنَ المَلامَةِ شُغلُ
يَفيقُ كُلُّ مُحِبٍّ مِنَ الغَرامِ وَيَسلو
وَعُقدَتي في هَواهُم بِحالِها ما تُحَلُّ
شاهد بالفديو: حقائق ومعلومات قد لا تعرفونها عن اللغة العربية
10. ابن زاكور (مضوا كأن لم يكونوا):
مَضَوْا كَأَنْ لَمْ يَكُونُوا وَمِثْلُهُمْ سَنَكُونُ
وَكُلُّ صَعْبٍ شَدِيدٍ فَبِالْمُضَيِّ يَهُونُ
11. أبو فراس الحمداني (قلبي يحن إليه):
قَلبي يَحِنُّ إِلَيهِ نَعَم وَيَحنو عَلَيه
وَما جَنى أَو تَجَنَّى إِلَّا اِعتَذَرتُ إِلَيهِ
فَكَيفَ أَملِكُ قَلبي وَالقَلبُ رَهنٌ لَدَيهِ
وَكَيفَ أَدعوهُ عَبدي وَعُهدَتي في يَدَيهِ
12. العباس بن الأحنف (قد ضاق بالحب صدري):
قَد ضاقَ بِالحُبِّ صَدري وَأَنفَدَ الشَوقُ صَبري
وَطَيَّرَ النَومَ هَمِّي وَنَمَّ دَمعي بِسِرِّي
وَأَوقَدَ الشَوقُ ناراً تَمُدُّ دَمعي فَيَجري
في الصَدرِ حَيَّاتُ هَمٍّ بَينَ الجَوانِحِ تَسري
13. ابن الوردي (مرت بخدي شقيق):
مرَّتْ بخدَّيْ شقيقٍ بنا فقلتُ مبادرْ
مرُّ الشقائقِ هذا قالتْ وشقُّ المرائرْ
14. أبو تمام:
الدَهرُ يَومٌ وَيَومُ وَالعَيشُ عُذرٌ وَلَومُ
فَاِقصِر لِما تَشتَهيهِ وَلا يَكُن مِنكَ حَومُ
وَلا تُصغِيَن لِقَبيحٍ يَقولُهُ فيكَ قَومُ
وَأَهيَفُ كَمُنى النَفسِ لَيسَ يُغليهِ سَومُ
وَسنانُ في مُقلَتَيهِ نَومٌ وَما ثَمَّ نَومُ
أَفطَرتُ فيهِ وَقَد كانَ قَبلَهُ لِيَ صَومُ
15. الشريف الرضي:
لا تُنكِري حُسنَ صَبري إِن أَوجَعَ الدَهرُ ضَربا
فَالعَبدُ أَصبَرُ جِسماً وَالحُرُّ أَصبَرُ قَلبا
16. فتيان الشاغوري (يا لائمي في المليح):
يا لائِمي في المَليح ما أَنتَ لي بِنَصيحِ
نَهَيتَني عَن جَميلٍ أَمَرتَني بِقَبيحِ
تَحسينُ رَأيكَ عِندي مِن أَقبَحِ التَقبيحِ
بي غُصنُ بانة حِقفٍ يَهتَزُّ مِن تَحتِ يوحِ
مَتى تَرَنَّحَ صاد القُلوبَ بِالتَرنيحِ
ريمُ القُصورِ رَنا عَن لِحاظِ ظَبيِ الشيحِ
فَهَل عَلَيَّ مُليحٌ من بَرقِ ثَغرٍ مَليحِ
بُدِّلت بَعدَ المُعَلَّى في حُبِّهِ بِالمَنيحِ
فَشَحَّ بِالوَصلِ عَمداً مَن كانَ غَيرَ شَحيحِ
17. لسان الدين بن الخطيب (جنى النسيم):
جَنى النَّسيمُ عليَّ وما تبيَّنتُ غدْرَهْ
إذْ صيَّرَ الخَلْقَ نجْداً والأرضَ أبْناءَ عُذْرَهْ
18. صفي الدين الحلي (يا رب إن كان ذنبي):
يا رَبِّ إِن كانَ ذَنبي خِلافَ إِخلاصِ قَلبي
فَلَيسَ ذَلِكَ إِلَّا لِحُسنِ ظَنِّي بِرَبِّي
مالي إِلَيكَ شَفيعٌ إِلَّا اِعتِرافي بِذَنبي
وَلَيسَ حَسبي إِلَّا بِأَنَّ عَفوَكَ حَسبي
إقرأ أيضاً: البحر الطويل وأهم القصائد عنه
في الختام:
البحر المجتث، أحد البحور الخمسة عشر التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي والتي أصبحت توضح جوهر وجمالية إيقاع الشعر العربي، هو بحر صيغت عليه نحو 1426 قصيدة من قصائد اللغة العربية، هذا البحر، الذي يتألف من تفعيلتي “مُسْتَفْعِلُنْ” و”فَاْعِلاتُ”، يتيح للشعراء فرصة التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بشكل متنوع ومتقن، وهذا يعزز التنوع الشعري ويسهم في إثراء الأدب العربي.