التدريس والتعلم

توظيف القصص القصيرة في التعليم


أحد أهم مظاهر مواكبة التطور الإنساني يكون من خلال تطوير المناهج التعليمية وتطوير الطرائق التدريسية، إذ تختلف هذه الملاحلة من حياة أبنائنا، اللذين يعيشون هذه التطورات الكبيرة، بصورة كلّية عن مرحلة الطفولة ومرحلة التعليم التي عشناها نحن، حيث تختلف طرائق التعليم قبل بداية الألفية الجدية عما سبقتها من سنوات.

أرخى التطور التكنولوجي الكبير ظلاله على عملية التعليم، مما فرض إنشاء جيل متعلم من خلال تحديث طرائق التعليم والتدريس. ولا يمكن إغفال أنَّ هناك كثير من الباحثين والمختصين قد قضوا ساعات كثيرة في إيجاد الطرائق المناسبة للارتقاء بعملية التعليم والانتقال بها من مرحلة التلقين إلى مرحلة الارتقاء بتفكير الطالب بصورة عامّة، بما يزيد من معرفته.

يُعد استخدام القصة في التعليم إحدى الطرائق الفعّالة من أجل رفع سوية العملية التعليمية، ورفع مستوى الإدراك والفهم عند الطالب، إذ باتت كثير من المناهج التدريسية تعتمد على مبدأ القصة في طرح الموضوع الدراسي المراد تعليمه، ولم يعد الأمر مقتصرا على المواد الأدبية كاللغة العربية أو اللغات الأجنبية، بل باتت تستخدم في علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء.

يتميَّز استخدام القصة في العملية التعليمية بأنه يمكن تضمينها برسائل تعليمية، وطرائق تفكير لا يمكن للنظم التعليمية التقليدية أن تحقق الهدف منها، وسنتعرف معاً، عزيزي القارئ، إلى أهمية استخدام القصة القصيرة في التعليم. وللغوص أكثر في هذا الأمر، سنستعرض معاً بالتفصيل محاور عديدة غاية في الأهمية.

تعريف القصة القصيرة

تُعرَّف القصة القصيرة بأنّها نَصٌّ نثري صغير الحجم يتم التركيز فيها على قضية واحدة، تضم شخصية مركزية وبعض الشخصيات الثانوية.

ما أهمية استخدام القصة في التعليم؟

إنّ استخدام النظام القصصي في عملية التعليم يفيد بجعل التعليم نابعاً من الواقع الإنساني أو من الخيال الذي يمكن أن يعيشه الطالب، إذ تفيد القصة في تعزيز الإيحاءات، وتلخيص المعلومات وتبسيطها، وتحويل عملية التعلم من عملية جافة مكونة من سلسلة من المعلومات إلى عملية قصصية مرتبطة بشخصيات معينة. من أهم الفوائد التي يمكن أن يحصل عليها الطالب من جرّاء استخدام القصة في التعليم هي:

  1. إثارة المشاعر، فطرح المواضيع التعليمية بطريقة القصة تحفز مشاعر الطالب، وتربطه بالحدث.
  2. تطوير الخيال العلمي لدى الطالب، من خلال تحفيز المخيلة عنده.
  3. استخدام السرد القصصي في التعليم يساعد على ربط المفاهيم الخيالية بالعالم الحقيقي، الأمر الذي يساعد الطالب على فهم مشكلاته الدراسية.
  4. دائماً ما تحمل القصص عِبراً أخلاقية، وحقائق علمية.
  5. استخدام القصة في التعليم ينشط دماغ الطالب، بحيث يكون أكثر قدرة على التحليل، والاستنباط، والتفكير خارج الصندوق لإيجاد الحلول.

شاهد بالفيديو: 6 فوائد لقراءة القصص للأطفال

  

مواصفات القصة القصيرة المستخدمة في التعليم

من الهام لكل معلم يريد توظيف القصة القصيرة في العملية التعليمية أن يعرف تماماً مواصفات القصة القصيرة، وكيف يجب أن يكون ترتيب السرد القصصي فيها بما يجعلها طريقة تعليمية يمكن استخدامها في تعليم الطلاب؛ إذ لا بد للقصة أن تحقق مجموعة من الشروط الضرورية للتمكُّن من استخدامها في التعليم، وهذه الشروط هي:

  1. أن يكون للقصة التعليمية المُراد سردها مكان محدد، فلا يمكن سرد قصة تعليمية من دون أن يكون هناك مكان يحتوي شخصيات القصة، وتدور الأحداث به كالغابات، والبحار، أو مدينة، أو قرية، وغيرها من الأماكن.
  2. يجب أن تكون القصة مترافقة مع زمن الحدوث، فلا يمكن للقصة التعليمية أن تروى للطلاب من دون وجود زمن محدد تدور فيه القصة، وهنا يجب ذكر الأعوام أو التاريخ بدقة، كأن نقول في 2020، أو في ربيع عام كذا، أو صيف يوم كذا.
  3. وجود الشخصيات في القصة القصيرة أمر هام، وهنا يجب أن نركّز على أنّ استخدام القصة القصيرة في التعليم يعني وجود شخصية مركزية وهي صاحبة الحدث الرئيس، ويمكن أيضاً أن نجد بعض الشخصيات الثانوية في ذات القصة.
  4. من الهام للمعلم الذي يريد استخدام القصة في التعليم أن يحبك قصته بصورة مميزة، وذلك بأن يضمنها كافة العناصر من مكان وأشخاص، وزمان. ويجب أن تكون تلك العناصر مترابطة بطريقة تخدم موضوع القصة القصيرة التي ستوصل للطالب معلومة محددة.
  5. إنّ الغاية الأساسية من استخدام السرد القصصي في التعليم يكمن في تزويد الطالب بخطة نجاح، أو طريقة حل يمكن للطالب استخدامها، وهذا ما يجب أن تتضمنه نهاية القصة التعليمية.

كيفية التعليم بتوظيف القصّة القصيرة

لا توجد طريقة واحدة ومحددة لطريقة استخدام القصة في التعليم، إذ توجد طرائق متعددة لمثل هذا الأمر مثل التلخيص، أو كتابة العناوين الرئيسة للقصة. من الهام جداً مراعاة الأنماط الفكرية للطلاب في أثناء دمج القصة القصيرة في عملية التعليم، فهناك من الطلاب من يكون بصرياً يعتمد في التعلُّم على استخدام الصور ويتفاعل معها، وهناك من يكون سمعياً، يعتمد على طريقة الإلقاء ونبرات الصوت في التفاعل مع القصة المدروسة، وهناك من يستخدم النمط الحسي، فيحتاج إلى المشاعر الموجودة داخل القصة من أجل أن يتفاعل مع المادة الدراسية الموجودة في القصة، ويوجد من الطلاب من يستخدم النمط الحركي في التعلم.

والجدير بالذكر أن النوع الأخير من الطلاب يتفاعل باستخدام لغة الجسد ويتلقّى المعلومات ويتفاعل معها بتعابير جسدية كحركة العينين، وحركة اليدين والرِّجلين. من الهام أيضاً التعرُّف إلى أهم معايير السرد القصصي في العملية التعليمية، وهذه المعايير هي:

  1. الانتباه إلى ضرورة تغيير نبرة الصوت في أثناء السرد القصصي.
  2. ضرورة استخدام تعابير لغة الجسد مثل حركة العينين، واليدين والرِّجلين، وغيرها من الإيماءات.
  3. ضرورة استخدام التواصل البصري من قبل المعلم تجاه الطالب.
  4. استخدام طرائق جذب الانتباه والإثارة في أثناء سرد المعلم للقصة التعليمية، من خلال إضافة الأحداث الدراماتيكية مثل الإعلان عن حدوث مشكلة ما، أو قُرب إيجاد حل ما، أو من خلال طرح لغز معيّن.

ما معايير اختيار القصة التعليمية القصيرة؟

مع التطوُّر التقني الحالي تعج المواقع الالكترونية بكثير القصص التي يمكن استخدامها في العملية التعليمية ذات المواضيع المتنوعة، ولكن هناك معايير محددة يمكن اتباعها من أجل أن يكون اختيار القصة القصيرة مفيدا في العملية التعليمية وهذه المعايير هي:

1. المعيار الفني

ويشير هذا المعيار إلى كيمة الخيال والإبداع الذي يجب أن تكون متوفرة في القصة، من خلال وجود رسومات توضيحية على قدر عال من الجاذبية والمتعة والجمال، الذي يثير الشغف في نفس المعلم والطالب في الوقت ذاته.

2. معيار المستوى اللغوي للقصة

إذ يجب أن تراعي القصة المستوى اللغوي للفئة العمرية وكذلك المنهج المستخدم في لغة قصة الرياضيات يختلف عن اللغة المستخدمة في قصة اللغة العربية مثلاً. إلا أنّه من الضروري أن تكون لغة القصة بسيطة، وسهلة الفهم، وبعيدة عن استخدام التراكيب اللغوية الصعبة التي تعيق عملية الفهم.

3. معيار الكم والحجم

يشير هذا المعيار إلى ضرورة الانتباه إلى تناسب حجم القصة المؤلفة من مجموعة من السطور والكلمات مع أداء الطالب الفكري وقدرته على الاستيعاب بما يُجنِّب الطالب الملل وحالة التشتت الذهني والفكري.

4. المعيار الفكري

يُقصد بهذا المعيار مقدار تناسب السرد القصصي مع المستوى المعرفي للطالب. وهنا يجب أن تكون القصة تراعي كافة المستويات المعرفية والفكرية للطلاب.

في الختام

نشير إلى أهمية القصة في الموروث الثقافي للشعوب، فجميعنا جلس في يوماً واستمع إلى العديد من القصص المروية التي ترافقت مع أحلامنا وتطلُّعاتنا. علينا أن ندرك أنَّ تطوير التعليم وأساليب التدريس يُعدّان من أهم الخطوات العملية التي تساعد في الارتقاء بالمجتمع كله، من خلال إنشاء جيلٍ متعلِّمٍ متسلِّحاً بكل أدوات المعرفة العصرية.

ويعد دمج القصة بالتعليم والتدريس من الطرائق الفعّالة للارتقاء بالعملية التعليمية لما لها من فوائد كبيرة في تحفيز نشاط التعلم لدى الطلاب، ورفع مستوى الحس التحليلي والنقدي والاستقرائي لديهم بما ينعكس تطوراً على أدائهم العلمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى