ما هو نهج ريدجو إميليا (Reggio Emilia)؟

السبب وراء تلك الصور الجميلة أعمق بكثير من الأسلوب الجمالي، وتقول تشيلسي مايرز (Chelsea Meyers) معلمة تعليم الطفولة المبكرة في مركز هيلتوب للأطفال (Hilltop Children’s Center): “هذا النهج عبارة عن نموذج مستوحى من منطقة ريدجو (Reggio)، ويقدِّر الطرائق العديدة التي يستكشف بها الأطفال عوالمهم ويعبرون عن أنفسهم”، وتقول مايرز إنَّ المرجع المختصر لفلسفة ريدجو إميليا هو “مئة لغة”، وهو اعتقاد بأنَّ الأطفال يستخدمون الفن واللغة والقوة البدنية والتجريب والعلاقات والعديد من الطرائق الأخرى كأشكال للتواصل والتعبير.

تقول مايرز: “عندما نقدر تلك اللغات المئة، نرى أطفالنا يتعلمون ويتطورون بطرائق متعددة، ويصبح الطفل أكثر تركيزاً كفرد في المجتمع ومتعلم”.

إذا كنتَ تحب الأطفال، فمن السهل أن ترى الجمال في هذا الوصف، لكن إذا كنتَ تحاول فهم أساليب تدريب طفلك أو إذا كنت مهتماً بالتعليم والتدريس بنفسك، فستحتاج إلى التفاصيل.

إذاً كيف تُترجَم فلسفة نهج ريدجو إميليا إلى بيئة الفصل الدراسي اليومية؟ وما الذي يجعله مختلفاً بالنسبة إلى المتعلمين الصغار والمعلمين؟

ما هو نهج ريدجو إميليا؟

عموماً هو نهج لتعلُّم الطفولة المبكرة سُمي على اسم المدينة التي نشأ فيها في إيطاليا (Italy)، ويعتقد المؤسس لوريس مالاجوزي (Loris Malaguzzi) أنَّ الأطفال كانوا بحاجة إلى نوع أكثر شمولية من التعليم بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأ أسلوب ريدجو إميليا بناءً على الاعتقاد بأنَّ كل طفل فريد من نوعه ويُعبِّر عن اهتماماته بعدة طرائق مختلفة.

هذا الاعتقاد له تأثير عملي؛ إذ يخلق بيئة تعلُّم مشترك يتعلم فيها المعلمون مع الأطفال ويعملون إلى جانب بعضهم بعلاقة جانبية بدلاً من العلاقة الهرمية، وتشمل هذه الشراكة علاقة الوالدين ومجتمع كل طفل.

يدور هذا النهج أيضاً حول حواس الأطفال؛ إذ يعتمد على البصر والصوت واللمس وحتى التذوق والشم للمساعدة على التعلُّم؛ ونتيجة لذلك تبدو الفصول الدراسية فيه مختلفة عن الفصول الدراسية العادية؛ وذلك لما فيها من مساحات مشتركة واسعة، وعناصر طبيعية، والكثير من المواد التي يمكن الوصول إليها والتي تثير فضول الأطفال.

تصف العديد من المدارس اليوم نفسها بأنَّها تتبع نهج ريدجو، وتقول مايرز إنَّ هذا الأمر يرجع إلى أنَّ نهج ريدجو يهدف إلى التكيُّف مع الأطفال في الفصل؛ إذ يتعلَّق الأمر بهم وبعائلاتهم المحددة ومجتمعاتهم، فهو ليس نموذجاً منظماً، وتقول مايرز: “التركيز في المجتمع في نهج ريدجو يعني أنَّك بحاجة إلى تمثيل مجتمعك حقاً، وليس مجتمع مدينة ريدجو، وعلى عكس نهج المونتيسوري، فلا توجد رسمياً منظمات أو وكالات تمنح شهادات معتمدة للمدارس التي تتبع نهج ريدجو، والادِّعاء بأنَّ مصدر إلهامنا هو منهج ريدجو يجعلنا نحن المعلمين مسؤولين عن التوجه نحو عائلاتنا وأطفالنا عند تطوير بيئاتنا ومناهجنا”.

شاهد بالفديو: فوائد التعلم باللعب للأطفال

المبادئ الأربعة لنهج ريدجو إميليا:

يمكنك بسهولة جعل هذه الفلسفة التعليمية أسلوب دراسة دائمة، لكن توجد 4 مبادئ أساسية لتوجيه المعلمين في نهج ريدجو إميليا وهي:

1. المنهج الدراسي الناشِئ:

هذا يعني بصورة أساسية أنَّ المنهج الدراسي للفصل عبارة عن مزيج من اهتمامات الأطفال والتواصل مع عائلاتهم والمراقبة الدقيقة والملاحظات التي يدوِّنها المعلمون عن نمو طلابهم واستكشافاتهم، ويُجري المعلمون جلسات تخطيط لمقارنة ملاحظاتهم واتِّخاذ القرارات بشأن المشاريع والمواد.

2. المشاريع المُفصَّلة:

إذا كنتَ مثل الكثيرين، فإنَّ ذكرياتك التعليمية المبكرة تتضمن محاولة الجلوس في المقاعد باتجاه مقدمة الغرفة حيث يقدم المعلم المواد، لكن في نهج ريدجو إميليا يقود كل طفل عملية التعلُّم القائمة على المشاريع، وغالباً ما يسمي المعلمون هذه المشاريع “مغامرات” للمتعلمين الصغار، وقد تستمر لمدة أسبوع أو أسبوعين، أو قد تمتد على طول العام الدراسي بأكمله، ويوجِّه المعلمون الأطفال لاختيار مجال البحث ومتابعته حتى نهاية المشروع.

تقول المعلمة إميلي هورتون (Emily Horton): “ما يميز نهج ريدجو إميليا عن غيره هو تركيزه في مشاريع الطلاب”، وعندما يُظهِر الطلاب اهتماماً بموضوع ما، يضع المعلمون مشاريع لتشجيع هذا الاهتمام، ويحتفظون بالوثائق في محفظة لكل طفل على مدار العام؛ ممَّا يسمح لهم بتتبُّع تطور كل طالب لوحده.

3. التطور التمثيلي:

يدعو نهج ريدجو إميليا الأطفال إلى تقديم أفكارهم وتعلمهم بأشكال عديدة؛ مثل الطباعة والفن والدراما والرقص والموسيقى وفن الدمى وما إلى ذلك، ويمكن أن يمثل الاعتقاد بأنَّ التعلُّم والنمو يمكن أن يتخذا أشكالاً متعددةً أيضاً قضية تتعلق بالإنصاف بالنسبة إلى مايرز، وتقول: “على سبيل المثال قد ينجذب الطفل إلى الرقص ليروي قصصه أكثر من الرسم، ويوجد مجال في نهج ريدجو للشعور بالحماسة حيال ذلك ومساعدته على الاستفادة من هذه الميزة في مجالات جديدة”.

يقول مارتي واتسون (Marty Watson) مدير مركز دودج للطبيعة (Dodge Nature Center)، وهو عبارة عن حضانة تتبُّع نهج ريدجو: “يُظهر الأطفال أفكارهم بعدة طرائق مختلفة مثل: الرسم والرقص والكتابة بدلاً من مجرد الأرقام والحروف؛ إذ إنَّ إعطاء مساحة لكل هذه الجهود للازدهار يساعد كل طفل على بناء الثقة والحماسة بشأن تعلمه”.

4. التعاون:

في الفصل الدراسي الذي يتبع نهج ريدجو، يشجع المعلمون المجموعات على العمل معاً باستخدام الحوار والمقارنات والمفاوضات والاحترام؛ إذ إنَّ تأسيس مسار دراسي قائم على اهتمامات الأطفال يخلق بيئة تعاونية يمكن أن تساعد على تعزيز النمو، وتقول نانسي فاربر (Nancy Farber) مديرة مدرسة تتبع منهج ريدجو تُدعى كوشمان سكوت (Cushman Scott): “يتفاوض الأطفال مع المعلمين بشأن الاهتمامات التي ستُدرَّس”، وتوضح أنَّ مطالبة الأطفال بالمساعدة على توجيه مسار التعلُّم تسمح لهم بالشعور بأنَّك تنصت إليهم وتحترمهم، وتشجعهم على تقدير الذات.

بيئة الفصل الدراسي لنهج ريدجو إميليا:

تبدو العديد من الفصول الدراسية الرائعة التي تتبع نهج ريدجو والتي قد تراها عبر الإنترنت تشبه إلى حدٍّ ما الوجود داخل منزل جميل؛ حيث النوافذ الكبيرة التي تسمح بدخول ضوء النهار والكثير من السجاد ورفوف الكتب مع عناصر اللعب الطبيعية، وما إلى ذلك.

في حين أنَّ المساحة الكبيرة والمضيئة والساحرة ستلهم أي شخص، إلَّا أنَّ معظم الفصول الدراسية لا تحتوي على هذه الكماليات المعمارية، وكما هو الحال في الطرائق الأخرى، لا يتعلق نهج ريدجو بالمظهر الخارجي بقدر ما يتعلق بما يحدث بالفعل بين الأطفال والعائلات والمعلمين.

تقول مايرز: “البيئة التي تتبع نهج ريدجو إميليا مخصصة للأطفال الذين يستفيدون منها؛ إذ إنَّها بيئة يمكن أن يؤثر الطفل فيها، وهذا يعني أنَّ كل طفل ينتمي إليها”، وتقول مايرز أيضاً: “إنَّه من الأولويات إبقاء المواد متاحة ودائمة حتى يتمكن الأطفال من الاستكشاف بطريقة مفتوحة، ويوجد بالتأكيد تركيز في المواد الطبيعية التي تُعَدُّ بمنزلة دعوة إلى الدافع الطبيعي لاستكشاف الطفولة والتعلُّم منها، ضع في حسبانك المعلومات الحسية والتوازن الذي يحتاج إليه أطفالك فيما يتعلق بالرائحة والألوان وفرص المخاطرة ومستويات الارتفاع المختلفة وحجم الضوضاء، وما الذي يحتاجون إليه في مساحة عمل جماعية صغيرة مقابل مساحة لعب تخيلية”.

مهما كانت الموارد التي يجب أن يعمل بها المعلمون في نهج ريدجو، فإنَّهم يفكرون في كل عنصر في المكان بعناية لخلق جو يمكن للأطفال فيه الشعور بالقوة والإبداع.

ما الذي تحتاج إليه لتكون مدرساً لنهج ريدجو إميليا؟

يركز نظام التعلُّم هذا بصورة كبيرة في الملاحظة والقدرة على التكيُّف لدى المعلمين، وفي حين أنَّه يناسب بعضهم كثيراً، إلَّا أنَّه لا يناسب الجميع، وتقول فاربر: “قد تقود حلقات المناقشة اليوم إلى نقطة تركيز مختلفة تماماً”، مضيفةً إلى أنَّ المعلمين الذين يحبون العفوية ويتصفون بالمرونة مع التغيير يميلون إلى النجاح.

تقول مايرز: “بصفتي مُدرِّسة لنهج ريدجو، يجب أن أكون قادرة على التفكير والمجازفة، ونحن نعلم أنَّ الأطفال يتعلمون من خلال اللعب، والمعلم الذي يتبع نهج ريدجو هو مدافع عن لعب طلابه والأهداف التي يقررونها بأنفسهم؛ إذ إنَّ دورك يشمل النظر في المواضيع والأحداث التنموية والتحديات والأسئلة التي يستكشفها الأطفال، والمعلم الذي يكون لديه فضول ويُقدِّر مساهمات الأطفال سيجد الفصل الدراسي الذي يتبع نهج ريدجو ممتعاً للغاية”.

من الواضح أنَّ المعلمين المتخصصين في استخدام نهج ريدجو سيكون لديهم خيار العمل في مدارس تتبع هذا النهج، ولكنَّهم قد يجدون مدارس أخرى مناسبة لهم أيضاً.

حتى دون الوجود في بيئة تتبع هذا النهج، يمكن للمدرسين الذين يحبون هذا النهج إيجاد طرائق لدمج هذه القيم، وتنصح مايرز بالبحث عن مدرسة تُمكِّن الأطفال والمعلمين على حدٍّ سواء من خلق تجارب ذات مغزى لأنفسهم.

تقول: “على سبيل المثال أحد الأمور التي جذبتني إلى مركزي هو البرنامج الذي منح المعلمين الوقت وحتى الأموال للعمل في المشاريع التي تعالج الثغرات التي واجهتهم، وكما يشارك الأطفال في أعمال مُنتِجة مثل المساعدة على تحضير الوجبات الخفيفة، نحن جميعاً نمتلك قدرات وقيمة لنضيفها إلى مجتمعنا”.

شاهد بالفديو: 8 طرق تساعد المعلم على أداء مهنته بنجاح

التعمق في تعليم الطفولة المبكرة:

في حين أنَّ نهج ريدجو إميليا يجد الإلهام في التفاصيل الحسية والجماليات، تؤكد مايرز أنَّه لا يعتمد على المظاهر الخارجية لبناء المجتمع وتقول: “إذا كنت تُقدِّر نتيجة معينة أكثر من التفاعل الهادف بين الطفل والمادة، فإنَّ هذا المشروع لا يخدم طلابك، والمعلم الذي يستخدم نهج ريدجو هو شخص يتخذ القرارات الهامة وسريع التجاوب؛ لذا فإنَّ أفضل نصيحة لدي هي إفساح المجال للتفكير الصادق وإجراء المناقشات حتى تعرف لماذا تفعل ما تفعله وبأنَّك على استعداد للاندماج وإظهار الفضول عندما لا يتعامل الأطفال مع المواد كما كنت تعتقد أنَّهم سيفعلون”.

الآن أصبحت تعرف ما الذي يعنيه نهج ريدجو إميليا، ولكنَّ هذا ليس سوى غيض من فيض، ويمكن أن يكون هذا النهج طريقة التعلُّم المثالية لطفلك الصغير، أو بيئة العمل المثالية لشخص مثلك يعتقد أنَّ الأطفال لديهم بالفعل مئة لغة “العديد من الأساليب للتعبير عن أنفسهم”.

بغض النظر عن النهج، يؤدي التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة دوراً هاماً في تنمية عقول المستقبل.