مفهوم النجاح الوظيفي والمدرسي
إنَّ النجاح المدرسي الذي يمهِّد الطريق لمشوارنا التعليمي، هو البداية الأولى في تلك الرحلة المصيرية، وإنَّها الفترة التي نكتسب فيها المعرفة والمهارات التي تمهِّد لنا الطريق نحو المستقبل.
مع مرور الزمن، نتحول إلى مرحلة جديدة في حياتنا؛ إذ يأتي النجاح الوظيفي ليختبر ما تعلَّمناه ويقيِّم كفاءاتنا، فالنجاح الوظيفي يمثل الخطوة التالية في رحلتنا، إنَّها المرحلة التي نبدأ فيها تحويل معرفتنا ومهاراتنا إلى عمل فعلي والمساهمة في المجتمع.
ماذا يعني كل من المفهومين (النجاح المدرسي، والنجاح الوظيفي)؟ وكيف قد يؤثر كل منهما في الآخر؟ وهل النجاح المدرسي هو جسر لبناء مستقبل وظيفي ناجح؟ وبخلاف ذلك كيف يمكن للنجاح الوظيفي أن يلهم ويزيد من إنجازاتنا في مجال التعليم؟ ستعرف في هذا المقال الإجابة عن تلك الأسئلة؛ إذ يجتمع العلم مع العمل.
مفهوم النجاح الوظيفي ومجالاته:
مفهوم النجاح الوظيفي من المفاهيم التي تحظى بالاهتمام سواء من قِبل الفرد أم من قِبل المنظمة التي يعمل فيها وكذلك في مختلف المهن، مثل الصناعة، والتجارة، والإعلام، والتربية والتعليم، والصحة، وغيرها من المجالات؛ إذ يمثل النجاح الوظيفي الهدف الأسمى لكل فرد لما يحققه من نتائج إيجابية، مثل المكانة الاجتماعية المرموقة، والرفاهية المادية.
يعرِّف (poon) النجاح الوظيفي بأنَّه “تتابع أو توالي خبرات الفرد في العمل التي يكتسبها مع مرور الوقت، وهذه الخبرات تجعله يحقق نتائج إيجابية في مجال العمل”.
عرَّف (Derr’s) النجاح الوظيفي في النقاط الآتية، وهي:
- الدافعية الناتجة عن حاجة الفرد إلى التقدم في المهنة التي يشغلها.
- أن تمثل الوظيفة بالنسبة إلى الفرد مصدراً للاستقرار.
- أن يتوفر لدى الفرد المهارات الفنية والإدارية التي تؤهله لأن يصبح خبيراً في مجاله.
- أن يحقق الفرد الاستقلال والقدرة على إنشاء بيئة عمل خاصة به تشمل الأفراد ذوي الحرية والاستقلالية في العمل.
- أن يحقق الفرد التوازن بين حياته الأسرية أو الشخصية وبين حياته المهنية.
النجاح الوظيفي عموماً هو تحقيق الفرد لأهدافه وطموحاته من خلال وظيفته؛ إذ يتجلى النجاح الوظيفي في مجالات عدة، وفيما يأتي بعض المجالات الرئيسة التي قد يظهر فيها النجاح الوظيفي:
1. الأداء والإنتاجية:
تُعَدُّ القدرة على تحقيق الأداء العالي وزيادة الإنتاجية في العمل مؤشراً قوياً على النجاح الوظيفي، وهي مقياس لقدرة الفرد على إتمام المهام وتحقيق الأهداف بكفاءة وفاعلية في بيئة العمل، وتتضمن (إنجاز المهام بسرعة ودقة، وإدارة الوقت بنجاح، وتنظيم المهام والأولويات، وإدارة الموارد بفاعلية، واستخدام الأدوات والتكنولوجيا المناسبة، والاستعداد لتطوير المهارات والمعارف).
2. الترقية والتطوير المهني:
تشير الترقية الوظيفية إلى تقدُّم الموظف في هرم التنظيم الوظيفي أو الشركة التي يعمل لديها حسب الوظيفة التي يشغلها، وذلك عادةً من مستوى وظيفي أدنى إلى مستوى أعلى داخل الهيكل التنظيمي للشركة، وتُعَدُّ الترقية الوظيفية إحدى الطرائق التي قد يحقق بها الموظف النجاح الوظيفي، فهي تمثل جزءاً من تطور مسار الموظف المهني، وقد تساعد الترقية على تقديم فرص جديدة لتطوير المهارات وبناء سجل مهني أقوى.
3. الرضى الوظيفي:
الرضى الوظيفي هو حالة إيجابية تشير إلى مدى رضى الموظف عن عمله وبيئته الوظيفية؛ إذ يتأثر الرضى الوظيفي ببعض العوامل، مثل مدى توافق الوظيفة مع مهارات واهتمامات الموظف، ومدى تقديره واحترامه في مكان العمل، والعلاقات مع زملائه ومديريه، ومدى تحقيق توازن جيد بين العمل والحياة الشخصية، إضافة إلى مقدار الراتب الذي يتقاضاه.
4. القيادة والتأثير:
تُعَدُّ القدرة على تحقيق تأثير إيجابي في الزملاء والفريق والمنظمة أحد مكونات النجاح الوظيفي.
5. الابتكار وتطوير الأفكار:
تعكس قدرة الفرد على الابتكار وتقديم أفكار جديدة انعكاساً كبيراً النجاح الوظيفي له، فالابتكار هو القدرة على التفكير خارج الصندوق وتقديم حل جديد أو فكرة مبتكَرة لحل مشكلة أو تحسين العمليات أو تطوير منتج أو خدمة.
6. المساهمة في أهداف المنظمة:
تُعَدُّ القدرة على تحقيق أهداف المنظمة والمساهمة في نجاحها مؤشراً للنجاح الوظيفي.
7. بناء العلاقات والتواصل:
تعكس القدرة على بناء علاقات إيجابية مع الزملاء والعملاء والمشرفين النجاح في التواصل وبناء شبكة مهنية قوية.
شاهد بالفديو: كيف تطور مقدرتك على التركيز أثناء الدراسة
8. تحقيق الأهداف المهنية:
يُعَدُّ تحقيق الأهداف والطموحات المهنية الشخصية جزءاً لا يتجزأ من النجاح الوظيفي.
9. تطوير المهارات والمعرفة:
تعزز القدرة على تحسين المهارات واكتساب المعرفة الجديدة من تحقيق النجاح في العمل.
10. زيادة الراتب:
تشير زيادة الراتب إلى زيادة مقدار الأجر أو الأجر الذي يتلقاه الفرد من جهة العمل لقاء عمله اليومي؛ إذ تؤدي زيادة الراتب دوراً هاماً في مكونات النجاح الوظيفي، وهي إحدى العوامل التي قد تؤثر في رضى وأداء الفرد في العمل.
11. التوازن بين العمل والحياة الشخصية:
تُعَدُّ القدرة على الحفاظ على توازن صحي بين العمل والحياة الشخصية جزءاً من النجاح الوظيفي.
مفهوم النجاح المدرسي ومجالاته:
يشير مفهوم النجاح المدرسي إلى المكتسَبات المعرفية التي يحققها الطالب والنتائج التحصيلية التي تسمح له بالانتقال إلى مستوى دراسي أعلى، ويعرِّف “لوجندر” (Legendre) النجاح الدراسي بقوله: “إنَّه الكفاءات والاتجاهات والقيم والمعارف المكتسبة من طرف التلميذ”.
ترى “لبوستول” (Lapostolle) أنَّ النجاح المدرسي يسمح للتلميذ الذي تمكَّن من الحصول على متطلبات برنامج دراسي وتنمية كفاءاته بالترخيص ومتابعة دراساته العليا أو الاندماج في سوق العمل، وهو يقاس بالنتائج الدراسي والشهادات المُحصَل عليها في نهاية اكتساب البرامج.
قد يتجلى النجاح المدرسي في مجموعة متنوعة من المجالات والجوانب، منها:
إقرأ أيضاً: النجاح في الدراسة: 7 طرق تساعد طفلك على الدراسة بشكل أفضل
1. الأداء الأكاديمي:
يتعلق هذا المجال بتحقيق النجاح في المواد الدراسية والحصول على درجات جيدة في الاختبارات والواجبات.
2. المشاركة الصفية:
تشمل هذه المجالات مشاركة الطالب في النشاطات الصفية، والمناقشات الصفية، والتفاعل مع المعلمين والزملاء.
3. الحضور والانضباط:
يشمل هذا المجال الحضور الدوري إلى المدرسة والالتزام بالسلوكات المدرسية الجيدة وقواعد السلوك.
4. المشاركة في النشاطات الاجتماعية والثقافية:
يمكن للطلاب النجاح أيضاً من خلال المشاركة في النشاطات الثقافية والرياضية والفنية في المدرسة.
5. التطوير الشخصي:
يتضمن تنمية مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات وتحسين مهارات الاتصال.
6. التطوير الاجتماعي والعاطفي:
يشمل تطوير القدرة على التعامل مع الآخرين وفهم العواطف وتنظيمها.
7. التحقيق الشخصي والرضى الذاتي:
يتعلق هذا بتحقيق الأهداف الشخصية والشعور بالرضى والثقة بالنفس.
8. التحضير للمستقبل:
يشمل هذا المجال التحضير للمستقبل المهني والتعليمي من خلال اكتساب المعرفة والمهارات الضرورية.
النجاح المدرسي:
يتأثر النجاح المدرسي بمجموعة من العوامل، مثل:
1. شخصية الطالب وقدراته العقلية:
شخصية التلميذ وقدراته هما العامل الأول للنجاح، فالذكاء والتخيل والتفكير يؤدون الدور الرئيس في أداء التلميذ في المدرسة، وقد بيَّنت الدراسات التربوية التي أُجرِيت في هذا المجال أنَّ الطفل الذي يبلغ معدل ذكائه أقل من 80 لا يستطيع أن يتقدم بصورة طبيعية، ويستغرق سنتين من التأخر على الأقل، ويضاف إلى الذكاء القدرات العقلية الأخرى، مثل الانتباه والذاكرة فلهما دور أساسي، على سبيل المثال، يصعب على ضعيف الذاكرة استحضار المعلومات، ومن ثمَّ ينال درجات منخفضة.
2. العوامل الاجتماعية والأسرية:
تؤثر بيئة المنزل تأثيراً كبيراً في تحصيل التلميذ، فالتلميذ الذي يحظى بالتشجيع في المنزل تكون لديه رغبة في التعلم وبذل الجهود أكثر من التلميذ المُهمَل من قِبل أسرته.
3. الوضع المادي:
غالباً ما ينعكس الدخل المادي الضعيف للأسرة وعدم توفُّر المنزل المريح أو افتقار التلميذ إلى حاجات أساسية على مستوى تحصيله، فقد أثبتت غالبية الدراسات في هذا المجال أنَّ تحصيل الطلاب ذوي العائلات من الدخل المنخفض أقل من تحصيل التلاميذ من العائلات ذات الدخل المادي الجيد.
4. الخلفية الثقافية للتلميذ:
المستوى الثقافي للأبوين له تأثير كبير في تكوين شخصية الطفل وتحديد معالمها المستقبلية، ويقول “بيرنود” (Perrenoud): “إنَّ كل المتعلمين ينحدرون من ثقافة هي ثقافة أسرهم وأحيائهم، ومجموعات الانتماء والطبقات الاجتماعية، فإنَّهم كل حسب انتمائهم ورثة، غير أنَّ السوق المدرسي يجعل بعض الإرث يزن ذهباً، في حين يشكل إرثاً آخر عملة رخيصة، وإنَّ الأطفال الذين نموا بين الكتب وفي خضم نقاشات ثقافية لا يشعرون بالاغتراب عندما يلجون المدرسة، وأولئك الذين ترعرعوا في مساحات جرداء وتفصلهم مسافات عن التلفاز فإنَّه يجب عليهم قطع مسافات طويلة ما دام لا يوجد شيء يتحدث إليهم، لا الأشياء ولا الأشخاص ولا النشاطات”، فالتلميذ الذي يتمتع والداه بمستوى ثقافي جيد، لديه فرصة أكبر للنجاح المدرسي من التلميذ الذي يفتقر إلى البيئة الثقافية المنزلية.
5. الخلفية الانفعالية:
يحظى أبناء الأسرة التي تتمتع بالاستقرار وتعيش أسباب السعادة بفرصة النجاح المدرسي أكثر من الأسر التي تعاني من التفكك وغياب العلاقات العاطفية وأجواء من الكراهية والصراعات المختلفة.
شاهد بالفديو: طرق تساعد طفلك على الدراسة بشكل أفضل
6. العوامل المدرسية والتربوية:
أسلوب المعلم التعليمي، وشخصيته، والمناخ المدرسي السائد، والمناهج التربوية، وطرائق التدريس المستخدَمة، جميعها تؤثر في النجاح المدرسي للتلميذ، على سبيل المثال، تدفع شخصية المعلم الودودة واللطيفة بالتلميذ لحب المادة الدراسية والتأقلم بسرعة مع المناخ المدرسي، ومن ثمَّ النجاح المدرسي، وخلاف ذلك صحيح.
ما هي العلاقة التي تربط النجاح المدرسي بالنجاح الوظيفي؟
قد يكون للنجاح المدرسي تأثير كبير في النجاح الوظيفي للفرد؛ إذ يساهم النجاح المدرسي في بناء أساس قوي من المعرفة والمهارات، ومن خلال تحقيق الأداء الأكاديمي الجيد واكتساب المعرفة في مجموعة متنوعة من المواد، يمكن للشخص تطوير مهارات أساسية قد تكون ضرورية لنجاحه في مجال العمل.
يسهم النجاح المدرسي في زيادة الفرص الوظيفية، فالشهادات الأكاديمية والتحصيل الجيد في المدرسة قد يكون لهما وزن كبير عند التقديم للوظائف، وتمكين الفرد من الوصول إلى مجموعة متنوعة من الوظائف والمناصب، وخلال مسار الدراسة، يمكن للفرد بناء علاقات اجتماعية هامة مع زملاء الدراسة والمعلمين والمستشارين.
قد تكون هذه العلاقات مفيدة في مسار العمل لاحقاً، إضافة إلى إسهام المدرسة المباشرة في التوجيه المهني بحسب اهتمامات ورغبات الفرد، لكن تجدر الإشارة إلى أنَّ النجاح المدرسي ليس العامل الوحيد الذي يؤثر في النجاح الوظيفي؛ بل تؤدي توجد الخبرة العملية، والمهارات العملية، والسيرة الذاتية، والتوجيه المهني أيضاً دوراً هاماً في تحقيق النجاح الوظيفي.
أسرار النجاح الوظيفي وفق كتاب “نايجل كمبرلاند” (أسرار النجاح في العمل):
النجاح في العمل هو هدف يسعى إليه كثير من الناس في حياتهم المهنية، فهو ليس مجرد مجموعة من الإنجازات الفردية؛ بل هو نتاج تفاعل معقد بين القدرات الشخصية والبيئة العملية والاستراتيجيات المتَّبَعة، فإنَّ تحقيق النجاح في العمل ليس أمراً عشوائياً؛ بل هو نتيجة للجهد والتخطيط والتعلم المستمر، وأياً كانت المهنة التي يعمل بها الفرد، يمكنه تحقيق النجاح وفق كتاب (أسرار النجاح في العمل) للمؤلف “نايجل كمبرلاند”، ومن منطلق (أنا أتحكم في مستقبلي، أنا قائد نفسي)، أورد الكتاب 50 نصيحة، تتمحور حول الأمور الآتية:
- اعمل من خلال شغفك وأحلامك.
- أصلح نقاطك العمياء.
- استخدم نقاط القوة والضعف لديك.
- انتقد وعودك، واعمل بنزاهة.
- اعمل بإيجابية وبصبر وذكاء، وتعاطف وساعد الآخرين.
- اعترف بفضل الآخرين، وابنِ علاقات، واعمل وفق رؤية المنظمة.
- تقبَّل التغيير، وكن سفيراً لعملك، وافعل الصواب، واعمل أكثر مما يُطلَب منك، وتواضع، وقلل من التوتر.
- طوِّر مسيرتك المهنية وقدرتك على إصدار الأحكام، وحسِّن حضورك، وأنصت باهتمام، وكن شغوفاً للتعلم.
- اطرح الأسئلة، وحسِّن التعامل مع الخلافات.
- أدر وقتك جيداً، وكن مبدعاً وصانع قرار، واعمل مع زملائك، وقيِّم عملك.
- تحكَّم في مشاعرك، وكن مرناً، ولا تستسلم.
- احصل على حياة خارج العمل، وأرشد الآخرين في رحلتهم المهنية.
في الختام:
يقول “ريتشارد ديفوس”: “الشيء الوحيد الذي يقف بين المرء وما يريده حقاً من الحياة هو غالباً ما يكون فقط استعداده للمحاولة والإيمان كي يصدِّق أنَّه ممكن”، فإنَّ كلاً من النجاح المدرسي والنجاح الوظيفي أمر يمكن للفرد تحقيقه؛ إذ يعتمد النجاح الوظيفي إلى حد كبير على الأسس والمهارات التي تكتسبها في أثناء الدراسة.
إذا تم تحقيق النجاح المدرسي من خلال الالتزام بالدراسة وتطوير مهارات التفكير والتحليل، سيساهم ذلك مساهمة كبيرة في تحقيق النجاح الوظيفي في المستقبل، فالنجاح المدرسي يمثِّل البداية، إلا أنَّ النجاح الوظيفي يتطلب جهداً وتطويراً مستمرَّين للمهارات والمعرفة، ومن الهام أن نضع خطة مهنية واضحة ونعمل بجد لتحقيق أهدافنا المهنية.