قصائد عنترة بن شداد في الغزل
تعد قصائد عنترة في الغزل نموذجاً متميزاً للفن الشعري العربي القديم، فتتجلى فيها مهارة الشاعر في استخدام اللغة وتراكيب الألفاظ لنقل المشاعر بأبهى صورها، كما تعكس هذه القصائد تعبيرات مختلفة عن الحب والغرام والشوق، وهذا يجعلها مصدر إلهام للأجيال القادمة ومحط إعجاب لعشاق الشعر العربي.
أجمل قصائد عنترة بن شداد في الغزل:
عنترة بن شداد هو أحد أشهر شعراء العرب في العصر الجاهلي، وقد اشتهر بشعره في الفروسية والغزل بحبيبته عبلة، من أشهر قصائد عنترة بن شداد في الغزل:
1. قصيدة عذابك يا ابنة السادات سهل:
هي من أشهر قصائد عنترة بن شداد في الغزل، وهي قصيدة عمودية، من البحر الوافر، قافيتها اللام (ل)، وعدد أبياتها 19.
يقول فيها:
عَذابُكَ يا اِبنَةَ الساداتِ سَهلُ
وَجورُ أَبيكِ إِنصافٌ وَعَدلُ
فَجوروا وَاطلُبوا قَتلي وَظُلمي
وَتَعذيبي فَإِنّي لا أَمَلُّ
وَلا أَسلو وَلا أَشفي الأَعادي
فَساداتي لَهُم فَخرٌ وَفَضلُ
أُناسٌ أَنزَلونا في مَكانٍ
مِنَ العَلياءِ فَوقَ النَجمِ يَعلو
إِذا جاروا عَدَلنا في هَواهُم
وَإِن عَزَّوا لِعِزِّتِهِم نَذِلُّ
وَكَيفَ يَكونُ لي عَزمٌ وَجِسمي
تَراهُ قَد بَقي مِنهُ الأَقَلُّ
فَيا طَيرَ الأَراكِ بِحَقِّ رَبٍّ
بَراكَ عَساكَ تَعلَمُ أَينَ حَلُّوا
وَتُطلِقُ عاشِقاً مِن أَسرِ قَومٍ
لَهُ في حُبِّهِم أُسُرٌ وَغُلُّ
يُنادونني وَخَيلُ المَوتِ تَجري
مَحَلُّكَ لا يُعادِلُهُ مَحَلُّ
وَقَد أَمسَوا يَعيبونني بِأُمِّي
وَلَوني كُلَّما عَقَدوا وَحَلُّوا
لَقَد هانَت صُروفُ الدَهرِ عِندي
وَهانَت أَهلُهُ عِندي وَقَلُّوا
وَلي في كُلِّ مَعرَكَةٍ حَديثٌ
إِذا سَمِعَت بِهِ الأَبطالُ ذَلُّوا
قَطَعتُ رِقابَهُم وَأَسَرتُ مِنهُم
وَهُم في عُظمِ جَمعِهِمِ استَقَلُّوا
وَأَحصَنتُ النِساءَ بِحَدِّ سَيفي
وَأَعدائي لِعُظمِ الخَوفِ فَلُّوا
أُثيرُ عَجاجَها وَالخَيلُ تَجري
ثِقالاً بِالفَوارِسِ لا تَمَلُّ
وَأَرجِعُ وَهيَ قَد وَلَّت خِفاف
مُحَيَّرَةً مِنَ الشَكوى تَكِلُّ
وَأَرضى بِالإِهانَةِ مَع أُناسٍ
أُراعيهِم وَلَو قَتلي أَحَلُّوا
وَأَصبُرُ لِلحَبيبِ وَإِن جَفاني
وَلَم أَترُك هَواهُ وَلَستُ أَسلو
عَسى الأَيَّامُ تُنعِمُ لي بِقُربٍ
وَبَعدَ الهَجرِ مُرُّ العَيشِ يَحلو.
2. قصيدة أتاني طيف عبلة في المنام:
قصيدة أتاني طيف عبلة في المنام، هي من شعر عنترة بن شداد في الحب المشهورة جداً، تتألف من 19 بيتاً، وهي عمودية، من البحر الوافر، وقافية الميم (م).
يقول فيها:
أَتاني طَيفُ عَبلَةَ في المَنامِ
فَقَبَّلَني ثَلاثاً في اللَثامِ
وَوَدَّعَني فَأَودَعَني لَهيباً
أُسَتِّرُهُ وَيَشعُلُ في عِظامي
وَلَولا أَنَّني أَخلو بِنَفسي
وَأُطفِئُ بِالدُموعِ جَوى غَرامي
لَمُتُ أَسىً وَكَم أَشكو لِأَنِّي
أَغارُ عَلَيكِ يا بَدرَ التَمامِ
أَيا ابنَةَ مالِكٍ كَيفَ التَسَلِّي
وَعَهدُ هَواكِ مِن عَهدِ الفِطامِ
وَكَيفَ أَرومُ مِنكِ القُربَ يَوماً
وَحَولَ خِباكِ آسادُ الأَجامِ
وَحَقِّ هَواكِ لا داوَيتُ قَلبي
بِغَيرِ الصَبرِ يا بِنتَ الكِرامِ
إِلى أَن أَرتَقي دَرَجَ المَعالي
بِطَعنِ الرُمحِ أَو ضَربِ الحُسامِ
أَنا العَبدُ الَّذي خُبِّرتِ عَنهُ
رَعَيتُ جِمالَ قَومي مِن فِطامي
أَروحُ مِنَ الصَباحِ إِلى مَغيبٍ
وَأَرقُدُ بَينَ أَطنابِ الخِيامِ
أَذِلُّ لِعَبلَةٍ مِن فَرطِ وَجدي
وَأَجعَلُها مِنَ الدُنيا اِهتِمامي
وَأَمتَثِلُ الأَوامِرَ مِن أَبيها
وَقَد مَلَكَ الهَوى مِنِّي زِمامي
رَضيتُ بِحُبِّها طَوعاً وَكَرهاً
فَهَل أَحظى بِها قَبلَ الحِمامِ
وَإِن عابَت سَوادي فَهوَ فَخري
لِأَنِّي فارِسٌ مِن نَسلِ حامِ
وَلي قَلبٌ أَشَدُّ مِنَ الرَواسي
وَذِكري مِثلُ عَرفِ المِسكِ نامي
وَمِن عَجَبي أَصيدُ الأُسدَ قَهراً
وَأَفتَرِسُ الضَواري كَالهَوامِ
وَتَقنُصُني ظِبا السَعدِي وَتَسطو
عَلَيَّ مَها الشَرَبَّةِ وَالخُزامِ
لَعَمرُ أَبيك لا أَسلو هَواها
وَلَو طَحَنَت مَحَبَّتُها عِظامي
عَلَيكِ أَيا عُبَيلَةُ كُلَّ يَومٍ
سَلامٌ في سَلامٍ في سَلامِ.
شاهد بالفديو: حقائق ومعلومات قد لا تعرفونها عن اللغة العربية
3. قصيدة رمت فؤادي مليحة عذراء:
قصيدة رمت فؤادي مليحة عذراء هي من قصائد عنترة بن شداد في الغزل البارزة، تتألف من ١٢ بيتاً، وهي من البحر الكامل، وقافيتها الهمزة.
يقول فيها:
رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ
بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ
مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ
مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ
فَاغتالَني سَقَمي الَّذي في باطِني
أَخفَيتُهُ فَأَذاعَهُ الإِخفاءُ
خَطَرَت فَقُلتُ قَضيبُ بانٍ حَرَّكَت
أَعطافَهُ بَعدَ الجَنوبِ صَباءُ
وَرَنَت فَقُلتُ غَزالَةٌ مَذعورَةٌ
قَد راعَها وَسطَ الفَلاةِ بَلاءُ
وَبَدَت فَقُلتُ البَدرُ لَيلَةَ تِمِّهِ
قَد قَلَّدَتهُ نُجومَها الجَوزاءُ
بَسَمَت فَلاحَ ضِياءُ لُؤلُؤِ ثَغرِها
فيهِ لِداءِ العاشِقينَ شِفاءُ
سَجَدَت تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايَلَت
لِجَلالِها أَربابُنا العُظَماءُ
يا عَبلَ مِثلُ هَواكِ أَو أَضعافُهُ
عِندي إِذا وَقَعَ الإِياسُ رَجاءُ
إِن كانَ يُسعِدُني الزَمانُ فَإِنَّني
في هِمَّتي بِصُروفِهِ إِزراءُ
4. قصيدة لعلَّ ترى برق الحمى وعساك:
قصيدة لعلَّ ترى برق الحمى وعساك عدد أبياتها ٢، وهي من البحر الطويل، قافيتها الكاف، وتعد من شعر عنترة بن شداد الهام في الحب.
لَعَلَّ تَرى بَرقُ الحِمى وَعَساكا
وَتَجني أَراكاتِ الغَضا بِجَناكَ
وَما كُنتُ لَولا حُبُّ عَبلَةَ حائِلاً
بَدَلَّكَ أَن تَسقي غَضىً وَأَراكا
إقرأ أيضاً: الأخطاء الشائعة في اللغة العربية
5. قصيدة أحبك يا ظلوم فأنت عندي:
قصيدة أحبك يا ظلوم فأنت عندي، هي من أشهر قصائد عنترة بن شداد في الغزل، وهي قصيدة قصيرة، عدد أبياتها ٢، من البحر الوافر وقافيتها النون.
يقول فيها:
أُحِبُّكِ يا ظَلومُ فَأَنتِ عِندي
مَكانَ الروحِ مِن جَسَدِ الجَبانِ
وَلَو أَنِّي أَقولُ مَكانَ روحي
خَشيتُ عَلَيكِ بادِرَةَ الطِعانِ
6. قصيدة فؤاد لا يسليه المدام:
قصيدة فؤاد لا يسليه المدام هي إحدى أهم قصائد عنترة بن شداد في الغزل، عدد أبياتها 22، من البحر الوافر، وهي عمودية وقافيتها الميم.
يقول فيها:
فُؤادٌ لا يُسَلِّيهِ المُدامُ
وَجِسمٌ لا يُفارِقُهُ السَقامُ
وَأَجفانٌ تَبيتُ مُقَرَّحات
تَسيلُ دَماً إِذا جَنَّ الظَلامُ
وَهاتِفَةٌ شَجَت قَلبي بِصَوتٍ
يَلَذُّ بِهِ الفُؤادُ المُستَهامُ
شُغِلتُ بِذِكرِ عَبلَةَ عَن سِواها
وَقُلتُ لِصاحِبي هَذا المَرامُ
وَفي أَرضِ الحِجازِ خِيامُ قَومٍ
حَلالُ الوَصلِ عِندَهُمُ حَرامُ
وَبَينَ قِبابِ ذاكَ الحَيِّ خَودٌ
رَداحٌ لا يُماطُ لَها لِثامُ
لَها مِن تَحتِ بُرقُعِها عُيونٌ
صِحاحٌ حَشوُ جَفنَيها سَقامُ
وَبَينَ شِفاهِها مِسكٌ عَبيرٌ
وَكافورٌ يُمازِجهُ مُدامُ
فَما لِلبَدرِ إِن سَفَرَت كَمالٌ
وَما لِلغُصنِ إِن خَطَرَت قَوامُ
يَلُذُّ غَرامُها وَالوَجدُ عِندي
وَمَن يَعشَق يَلَذُّ لَهُ الغَرامُ
أَلا يا عَبلَ قَد شَمِتَ الأَعادي
بِإِبعادي وَقَد أَمِنوا وَناموا
وَقَد لاقَيتُ في سَفَري أُموراً
تُشَيِّبُ مَن لَهُ في المَهدِ عامُ
وَبَعدَ العُسرِ قَد لاقَيتُ يُسراً
وَمَلكاً لا يُحيطُ بِهِ الكَلامُ
وَسُلطاناً لَهُ كُلُّ البَرايا
جُنودٌ وَالزَمانُ لَهُ غُلامُ
يَفيضُ عَطاؤُهُ مِن راحَتَيهِ
فَما نَدري أَبَحرٌ أَم غَمامُ
وَقَد خَلَعَت عَلَيهِ الشَمسُ تاجاً
فَلا يَغشى مَعالِمَهُ ظَلامُ
جَواهِرُهُ النُجومُ وَفيهِ بَدرٌ
أَقَلُّ صِفاتِ صورَتِهِ التَمامُ
بَنو نَعشٍ لِمَجلِسِهِ سَريرٌ
عَلَيها وَالسَماواتُ الخِيامُ
وَلَولا خَوفُهُ في كُلِّ قُطرٍ
مِنَ الآفاقِ ما قَرَّ الحُسامُ
جَميعُ الناسِ جِسمٌ وَهوَ روحٌ
بِهِ تَحيا المَفاصِلُ وَالعِظامُ
تُصَلِّي نَحوَهُ مِن كُلِّ فَجٍّ
مُلوكُ الأَرضِ وَهوَ لَها إِمامُ
فَدُم يا سَيِّدَ الثَقَلَينِ وَابقَ
مَدى الأَيَّامِ ما نَاحَ الحَمامُ
7. قصيدة هاج الغرام فدر بكأس مدام:
قصيدة هاج الغرام فدر بكأس مدام هي من أبرز قصائد عنترة بن شداد في الغزل، تتألف من ٧ أبيات، قافيتها الميم، من البحر الكامل.
يقول فيها:
هاجَ الغَرامُ فَدُر بِكَأسِ مُدامِ
حَتَّى تَغيبَ الشَمسُ تَحتَ ظَلامِ
وَدَعِ العَواذِلَ يُطنِبوا في عَذلِهِم
فَأَنا صَديقُ اللَومِ وَاللُوَّامِ
يَدنو الحَبيبُ وَإِن تَناءَت دارُهُ
عَنِّي بِطَيفٍ زارَ بِالأَحلامِ
فَكَأَنَّ مَن قَد غابَ جاءَ مُواصِلي
وَكَأَنَّني أومي لَهُ بِسَلامِ
وَلَقَد لَقيتُ شَدائِد وَأَوابِد
حَتَّى ارتَقَيتُ إِلى أَعَز مَقامِ
وَقَهَرتُ أَبطالَ الوَغى حَتَّى غَدَوا
جَرحى وَقَتلى مِن ضِرابِ حُسامي
ما راعَني إِلَّا الفِراقُ وَجَورُهُ
فَأَطَعتُهُ وَالدَهرُ طَوعُ زِمامي
8. قصيدة هذه دار عبلة يا نديمي:
هي من أبرز قصائد عنترة بن شداد في الغزل، تتألف من ١٢ بيتاً، من البحر الخفيف، وقافيتها الميم.
يقول فيها:
هَذِهِ نارُ عَبلَةٍ يا نَديمي
قَد جَلَت ظُلمَةَ الظَلامِ البَهيمِ
تَتَلَظَّى وَمِثلُها في فُؤادي
نارُ شَوقٍ تَزدادُ بِالتَضريمِ
أَضرَمَتها بَيضاءُ تَهتَزُّ كَالغُصنِ
إِذا ما اِنثَنى بِمَرِّ النَسيمِ
وَكَسَتهُ أَنفاسُها أَرَجَ النَدِّ
فَبِتنا مِن طيبِها في نَعيمِ
كاعِبٌ ريقُها أَلَذُّ مِنَ الشَهدِ
إِذا ما زَجَتهُ بِنتُ الكُرومِ
كُلَّما ذُقتُ بارِداً مِن لَماها
خِلتُهُ في فَمي كَنارِ الجَحيمِ
سَرَقَ البَدرُ حُسنَها وَاستَعارَت
سِحرَ أَجفانِها ظِباءُ الصَريمِ
وَغَرامي بِها غَرامٌ مُقيمٌ
وَعَذابي مِنَ الغَرامِ المُقيمِ
وَاتِّكالي عَلى الَّذي كُلَّما أَبصَرَ
ذُلِّي يَزيدُ في تَعظيمي
وَمُعيني عَلى النَوائِبِ لَيثٌ
هُوَ ذُخري وَفارِجٌ لِهُمومي
مَلِكٌ تَسجُدُ المُلوكُ لِذِكراهُ
وَتومي إِلَيهِ بِالتَفخيمِ
وَإِذا سارَ سابَقَتهُ المَنايا
نَحوَ أَعداهُ قَبلَ يَومِ القُدومِ
في الختام:
ندرك أهمية وقيمة قصائد عنترة بن شداد في الغزل بوصفها جزءاً لا يتجزأ من تراثنا الأدبي العربي، وإنَّ تميزها وجاذبيتها تأتي من مزجها الفريد بين الشجاعة والعاطفة، وبين الفن الرفيع في استخدام اللغة والتعبير عن المشاعر الدفينة.
تبقى قصائد عنترة في الغزل مصدر إلهام وإعجاب للأجيال المتعاقبة، وتشكِّل جزءاً لا يتجزَّأ من إرثنا الثقافي العربي، فهي تذكير دائم بقدرة الشعر على نقل أعمق المشاعر وأرقى الأفكار، وتعكس تراثاً حافلاً بالحكمة والجمال.
لذا فإنَّ دراسة وتقدير قصائد عنترة بن شداد في الغزل تعدُّ ضرورة أدبية وثقافية، تسهم في الحفاظ على تراثنا الأدبي ونقله إلى الأجيال القادمة، لتظل رمزاً للعظمة والإبداع في عالم الشعر العربي.