التدريس والتعلم

قصيدة السموأل في الوفاء


خلَّد السموءل قصته هذه في قصيدة من ستة عشرة بيتاً شعرياً، تناول فيها صفاته التي يحملها، وذكر أمانة امرئ القيس وحفاظه عليها، إضافة إلى وصف حصنه الشهير (الأبلق).

نتعرف في هذا المقال إلى قصيدة السموءل في الوفاء مع تحليل وافٍ لمفرداتها، وكيف أنَّها تعكس قيم الوفاء والأمانة التي امتاز بها الشاعر السموءل.

قصة وفاء السموءل:

قصة السموءل في الوفاء، قصة تناقلتها العرب عبر الزمان ومنها جاء المثل الشهير (أوفى من السموءل)، هذه القصة التي جمعت شاعرين كبيرين من شعراء العصر الجاهلي هما (السموءل وامرئ القيس).

تبدأ القصة عندما قُتل والد (امرئ القيس) الملك الكندي (حجر بن المنذر) وحاول امرئ القيس الثأر له ولكنَّه لم ينجح، فقرر عندئذ – وبعد أن تفرق العرب عنه – الذهاب إلى قيصر الروم (يوستنانوس) ليطلب نجدته ومساعدته في استعادة ملك أبيه من بني أسد، ولكنَّه ذهب أولاً إلى السموءل ليضع أمانته الثمينة عنده، وهي خمسة دروع متوارثة من ملك لملك وكانت لأبيه وأسماؤها هي: الفضفاضة، والضافية، والمحصنة، الخريق، أم الذيول)، إضافة إلى أهل بيته، وبعد ذلك انطلق باتجاه قيصر الروم.

بعد انتشار نبأ موت امرئ القيس جاء الملك الحارث بن أبي شمر الغساني المعروف بلقب (الأعرج) ليطالب السموءل بتلك الدروع، ورفض السموءل تسليمه الأمانة، فقام بحصار الحصن لوقت طويل، وفي يوم من الأيام وبينما كان ابنه عائداً إلى الحصن من رحلة صيد كان يقوم بها، أمسك به الملك الغساني وقال للسموءل: “إنَّ ولدك قد أسرته، وهو ذا معي، إن سلمت إليَّ الدروع والسلاح رحلت عنك، وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت”.

على الرغم من ذلك بقي السموءل مصراً على حفظ الأمانة قائلاً: (ما كنت لأخفر ذمتي وأخون أمانتي، فاصنع ما شئت)، فقام الملك بقطع عنق ابنه أمام الحصن، ومن ثم غادر وفك الحصار عن قصر السموءل، وبعد ذلك ذهب السموءل إلى ورثة امرئ القيس وسلمهم الأمانة وقال: (وفيتُ بأدرعِ الكنديِّ إنِّي إذا ما خان أقوامٌ وفيت)، وبذلك أصبح السموءل مضرب المثل في الوفاء، فقالت العرب: (أوفى من السموءل).

قصيدة وفاء السموءل:

عَفا مِن آلِ فاطِمَةَ الخُبَيتُ

إِلى الإِحرامِ لَيسَ بِهِنَّ بَيتُ

أَعاذِلَتَيَّ قَولَكُما عَصَيتُ

لِنَفسي إِن رَشِدتُ وَإِن غَويتُ

بَنى لي عادِيا حِصناً حَصيناً

وَعَيناً كُلَّما شِئتُ اِستَقَيتُ

طِمِراً تَزلَقُ العِقبانُ عَنهُ

إِذا ما نابَني ضَيمٌ أَبَيتُ

وَأَوصى عادِيا قِدماً بِأَن

لا تُهَدِّم يا سَمَوءلُ ما بَنَيتُ

وَبَيتٍ قَد بَنَيتُ بِغَيرِ طينٍ

وَلا خَشَبٍ وَمَجدٍ قَد أَتَيتُ

وَجَيشٍ في دُجى الظَلماءِ مَجرٍ

يَؤُمُّ بِلادَ مَلكٍ قَد هَدَيتُ

وَذَنبٍ قَد عَفَوتُ لِغَيرِ باعٍ

وَلا واعٍ وَعَنهُ قَد عَفَوتُ

فَإِن أَهلِك فَقَد أَبلَيتُ عُذراً

وَقَضَّيتُ اللُبانَةَ وَاشتَفَيتُ

وَأَصرِفُ عَن قَوارِصَ تَجتَديني

وَلَو أَنِّي أَشاءُ بِها جَزَيتُ

فَأَحمي الجارَ في الجُلَّى فَيُمسي

عَزيزاً لا يُرامُ إِذا حَمَيتُ

وَفَيتُ بِأَدرُعِ الكِندِيِّ إِنِّي

إِذا ما خانَ أَقوامٌ وَفَيتُ

وَقالوا إِنَّهُ كَنزٌ رَغيبٌ

فَلا وَاللَهِ أَغدِرُ ما مَشَيتُ

وَلَولا أَن يُقالَ حَبا عُنَيسٌ

إِلى بَعضِ البُيوتِ لَقَد حَبَوتُ

وَقُبَّةِ حاصِنٍ أَدخَلتُ رَأسي

وَمِعصَمَها المُوَشَّمَ قَد لَوَيتُ

وَداهِيَةٍ يَظَلُّ الناسُ مِنها

قِياماً بِالمَحارِفِ قَد كَفيتُ

قصيدة السموءل في الوفاء مع الشرح:

عَفا مِن آلِ فاطِمَةَ الخُبَيتُ إِلى الإِحرامِ لَيسَ بِهِنَّ بَيتُ

شرح معاني المفردات:

آل فاطمة: أسرة امرئ القيس، الخُبَيتُ: ما اطمأن من الأرض، الإحرام: تحريم ما هو حلال من نكاح أو صيد وغيرها.

فكرة البيت:

يعبر الشاعر في هذا البيت عن احترامه وتقديره لأسرة امرئ القيس، والتي ينحدر نسبها من فاطمة بنت ربيعة التغلبية، وهي شقيقة كليب والزير سالم، فيقول إنَّهم قد وصلوا إلى “الخبيت”، أي الأرض المطمئنة والمستقرة التي ستكون ملجأ لهم وحاميتهم، ويقصد بهذه الأرض حصنه الأبلق وقد حرَّم على نفسه كل ما كان حلالاً له، وهذا يعني أنَّه لا يجوز لأحد أن يقترب منهم أو ينكح أحدهم.

أَعاذِلَتَيَّ قَولَكُما عَصَيتُ لِنَفسي إِن رَشِدتُ وَإِن غَويتُ

شرح المفردات:

أعاذلتي: لائمي، رشدتُ: اتبعت الهدى والصواب، غويت: ضللت.

فكرة البيت:

لقد قبلت اللوم من كل مَن لامني وتشبثتُ بقرار نفسي، فإما أرشد وأصيب وإما أغتوي وأضل الهدف.

بَنى لي عادِيا حِصناً حَصيناً وَعَيناً كُلَّما شِئتُ استَقَيتُ

شرح معاني المفردات:

بنى: شيَّد، حصناً حصيناً: حصن السموءل المسمى “الأبلق”، عيناً: ينبوع ماء.

فكرة البيت:

لقد ورثت عن جدي (عاديا) هذا الحصن القوي، المنيع، وعين ماء كلما شعرت بالظمأ شربت منها حتى ارتويت.

طِمِراً تَزلَقُ العِقبانُ عَنهُ إِذا ما نابَني ضَيمٌ أَبَيتُ

شرح المفردات:

طمراً: مكان مرتفع أو رفيع، ضيئم: ظلم.

فكرة البيت:

الشاعر يمتلك حصناً منيعاً، شامخاً، يشرف على ما حوله، رفيعاً، تنزلق طيور العقاب عن أسواره، هو ملجأ ينام فيه كل مظلوم ومضطهد بأمان.

وَأَوصى عادِيا قِدماً بِأَن لا تُهَدِّم يا سَمَوءلُ ما بَنَيتُ

شرح المفردات:

عاديا: جد السموءل.

فكرة البيت:

ترك لي جدي عاديا وصية قبل رحيله، فأوصاني بألا أهدم حصن الأبلق الذي بناه، وأن أحافظ عليه وأصونه من الهدم، فكأنَّ هذا الحصن الملجأ لي ولكل مظلوم على مدار الزمان.

وَبَيتٍ قَد بَنَيتُ بِغَيرِ طينٍ وَلا خَشَبٍ وَمَجدٍ قَد أَتَيتُ

فكرة البيت:

بهمته وإخلاصه، نجح السموءل في تحقيق إنجازٍ عظيم، فقد استطاع جعل حصنه بيت الشرف والعزة والكرامة، فقد أصبح حصنه ليس مجرد مكان للحماية؛ بل صار بيتاً يشهد على تميزه ويعكس مجده وعظمته.

وَجَيشٍ في دُجى الظَلماءِ مَجرٍ يَؤُمُّ بِلادَ مَلكٍ قَد هَدَيتُ

شرح المفردات:

دجى الظلماء: ليل شديد الظلام، مجر: كثير العدد، يَؤُمُّ: يقصد.

فكرة البيت:

في الليالي الظلماء، يقصد أعداد كبيرة من الناس حصنه وكأنَّهم جيش عظيم، يحتمون به وكأنَّهم قد اهتدوا إليه، فهو ملاذهم الآمن.

فَإِن أَهلِك فَقَد أَبلَيتُ عُذراً وَقَضَّيتُ اللُبانَةَ وَاشتَفَيتُ

شرح المفردات:

أَهلِك: أموت، اللُبانَةَ: الحاجة من غير فاقة.

فكرة البيت:

إذا وافتني المنية ومت فقد بينت أسباب عذري من اللوم لأفعالي، وأوفيت بكل صاحب حاجة قصدني وزال الغيظ من قلبي.

وَأَصرِفُ عَن قَوارِصَ تَجتَديني وَلَو أَنِّي أَشاءُ بِها جَزَيتُ

شرح المفردات:

القوارص: الكلمات المكروهة المؤذية، أصرف: أغض البصر، تجتديني: تنال مني، أشاء: أريد، جزيت: نلت منهم.

فكرة البيت:

أغض البصر عن الكلمات المكروهة التي يحاول بها أعدائي أذيتي، وأسامحهم، ولو أنِّي أريد إيذاءهم لقتصصت منهم.

فَأَحمي الجارَ في الجُلى فَيُمسي عَزيزاً لا يُرامُ إِذا حَمَيتُ

شرح المفردات:

الجُلي: الأمر العظيم، فيمسي: يصبح، لا يرام: لا يطلب.

فكرة البيت:

أحمي جاري في كل أمر عظيم ومصيبة يمر بها، فيصبح عزيزاً بين الأقوام لا يستطيع أحد الاقتراب منه إذا عرف أنَّه بحماية السموءل.

وَفَيتُ بِأَدرُعِ الكِندِيِّ إِنِّي إِذا ما خانَ أَقوامٌ وَفَيتُ

شرح المفردات:

أدرع: خمسة دروع يتوارثها ملوك كندة وهي (الفضفاضة، والضافية، والمحصنة، الخريق، أم الذيول).

الكندي: الشاعر امرئ القيس بن حجر بن المنذر الكندي.

فكرة البيت:

لقد وفيت أمانة امرئ القيس الكندي التي وكلني بها ولم أغدر بها وأخون عهدي له، ففي وقت تخون الأقوام الأخرى وترضخ للضغوطات، أنا لم أفعل ذلك ووفيت بأمانتي.

وَقالوا إِنَّهُ كَنزٌ رَغيبٌ فَلا وَاللَهِ أَغدِرُ ما مَشَيتُ

شرح المفردات:

مشيتُ: ما زلت على قيد الحياة، رغيبٌ: مرغوبٌ به.

فكرة البيت:

لقد كانت أمانة امرئ القيس كالكنز الثمين الذي يرغب به كل إنسان ويتوق إليه الجميع، لكنَّ السمؤال لا يغدر بأحد ما دام حيَّاً ويظل وفياً لعهده.

إقرأ أيضاً: معلقة النابغة الذبياني

في الختام:

إنَّ قصيدته تشكل مثالاً بارزاً عن عظمة الوفاء والإخلاص في أداء الأمانة، وتسلِّط الضوء على أهمية الالتزام بالقيم النبيلة في حياة الإنسان.

إنَّ تأمُّل قصة وفاء السموءل تُظهِر لنا أنَّ الشجاعة والإخلاص ليست مجرد مفاهيم فارغة؛ بل هي مبادئ يمكن أن تحدد شخصيتنا وتوجه تصرفاتنا؛ لذا فمن الضروري أن نستلهم من قصة السموءل درساً في الوفاء والإخلاص، وأن نعمل بجد على تطبيق تلك القيم النبيلة في حياتنا اليومية، فنكون بذلك قدوة حسنة ونساهم في رفعة مجتمعنا نحو الأفضل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى