قصة معلقة الحارث بن حلزة مع أبياتها وشرحها

لأنَّ “الحارث بن حِلِّزة” كان من أفخر الناس بقومه ونسبه، أصبح ذا مكانة عظيمة لدى قومه ومضرباً للمثل، ولكنَّ “الحارث بن حِلِّزة” عانى من مرض البرص الذي منعه من المشاركة بالمناظرات الشعرية ومواجهة الشعراء، وخاصةً بحضور الملوك والشخصيات المعروفة.
على الرغم من غيابه عن المناظرات الشعرية، فقد عُرف بأنَّه شاعر يمتلك من الحنكة والذكاء والبلاغة والفصاحة ما يميزه عن غيره، فترك الشاعر “الحارث بن حِلِّزة” إرثاً عظيماً للأدب العربي من قصائد قالها لتناسب مواقف معينة، فاشتُهر بارتجاله للشعر، كما اشتُهر بمُعلَّقته الشهيرة، فلا يمكن أن تتعرف إلى “الحارث بن حِلِّزة” دون التعرف إليها، فقد أُعجِب فيها جميع من سمعها.
ما تزال مُعلَّقة “الحارث بن حِلِّزة” من الأحداث المميزة في تاريخ الشعر في العصر الجاهلي، ومقالنا اليوم سيعرِّفك إليها وإلى شرحها وخصائصها وبحرها أيضاً، فتابع القراءة.
التعريف بمُعلَّقة الحارث بن حِلِّزة:
قبل أن تتعرف إلى أبيات وشرح مُعلَّقة “الحارث بن حِلِّزة” سنقصُّ عليك قصتها التي جعلت منها حَدثاً عظيماً حينها، وهي:
نتيجة الخلافات التي حدثت بين قبيلتي “بكر” و”تغلب” والتي راح جرَّاءها كثير من الضحايا من قبيلة “تغلب”، طلبت قبيلة “تغلب” من قبيلة “بكر” ديَّات أبنائها، وجاءت “تغلب” بـ “عمرو بن كلثوم”، واجتمعت لدى ملك الحيرة “عمرو بن هند” الذي عُرف بأنَّه جبار وحاول إصلاح الحال بين القبيلتين.
لكن كما ذكرنا، فإنَّ “الحارث بن حِلِّزة” لم يحضر المناظرات، فأتت قبيلة “بكر” بـ “النعمان بن هرم”، ولكنَّه عُرف بالغرور، فغضب من كلامه الملك وطرده إثر ذلك، فأثار ذلك حميَّة “الحارث بن حِلِّزة” وارتجل مُعلَّقته، ولكنَّه طلب أن يلقيها بوجود ستائر تفصل بينه وبين الملك، فألقاها من خلف سبع ستائر، وفي أثناء الإلقاء بدأ الملك يطلب بإزالة الستائر واحدة تلو الأخرى حتى أصبح “الحارث بن حِلِّزة” أمام الملك، ولشدة إعجابه بها واقتناعه بكلامه، حكم لصالح قبيلة “بكر” ولبَّى مطالب “الحارث”.
عَدَّ “عمرو بن هند” المُعلَّقة من المقدسات، فحازت على مكانة عظيمة لديه، وتتألف المُعلَّقة من 85 بيتاً كان محورها الأساسي دفاع “الحارث بن حِلِّزة” عن قبيلته.
أبيات مُعلَّقة الحارث بن حِلِّزة:
آذنَتنا ببينها أسماءُ
رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ منه الثواءُ
بعد عهد لها ببُرقة شمَّاء
فأذنى ديارها الخلصاءُ
فالمُحياة فالصفاحُ فأعناق
فتاق فعاذبٌ فالوفاءُ
فرياض القطا فأوديةُ الشُّربب
فالشُّعبتان فالأبلاءُ
لا أرى مَن عهدتُ فيها فأبكي اليومَ
دلهاً وما يحيرُ البكاءُ
وبعينيك أوقدَت هندٌ النَّارَ
أخيراً تُلوي بها العلياءُ
فتنوَّرت نارها من بعيد
بخزازى هيهات منك الصَّلاءُ
أوقدَتها بين العقيق فشخصين
بعود كما يلوح الضِّياءُ
غير أنِّي قد أستعينُ على الهم
إذا خفَّ بالثَّوي النَّجاءُ
بزفوف كأنَّها هقلةٌ أمُّ
رئال دويَّة سقفاءُ
آنسَت نبأةً وأفزَعها القـنَّاصُ
عصراً وقد دنا الإمساءُ
فترى خلفها من الرَّجع والوقــع
منينا كأنَّه إهباءُ
وطراقاً من خلفهنَّ طراقٌ
ساقطاتٍ ألوت بها الصحراءُ
أتلهى بها الهواجر إذ كلُّ
ابن همٍّ بليَّةٌ عمياءُ
وأتانا من الحوادث والأنباء
نُعنى به ونُساءُ
إنَّ إخواننا الأراقم يغلُونَ
علينا في قيلهم إخفاءُ
يخلطونَ البريء منَّا بذي الذَّنــب
ولا ينفع الخليَّ الخلاءُ
زعموا أنَّ كلَّ من ضربَ العِيــرَ
موالٍ لنا وأنَّا الولاءُ
أجمعوا أمرهم عشاءً فلمَّا
أصبحوا أصبحت لهم ضوضاءُ
من منادٍ ومن مُجيب ومن تصــهال
خيلٍ خلال ذاك رُغاءُ
أيها النَّاطقُ المرقَّش عنَّا
عند عمرو وهل لذاكَ بقاءُ
لا تَخِلنَا على غراتك إنَّا
قبل ما قد وشى بنا الأعداءُ
فبقينا على الشَّناءة تنميــنا
حصون وعزَّةٌ قعساءُ
قبل ما اليوم بيت بعيون النَّــاس
فيها تغيُّظٌ وإباءُ
وكأنَّ المنونَ تردي بنا أرعن
جوناً ينجابُ عنهُ العماءُ
مُكفهرَّاً على الحوادث لا ترتوهُ
للدَّهر مؤيدٌ صمَّاء
إرميٌّ بمثله جالَت الخيــل
وتأبى لخصمها الإجلاءُ
ملكٌ مُقسِطٌ وأفضلُ مَن يمــشي
ومن دون ما لديه الثَّناءُ
أيَّما خُطَّة أردتم فأدُّو
ها إلينا تُشفى بها الأملاءُ
إن نبشتُم ما بين ملحة فالصَّاقب
فيه الأمواتُ والأحياءُ
أو نقشتُم فالنَّقش يجشمه النَّاسُ
وفيه الإسقامُ والإبراءُ
أو سكتم عنَّا فكنُّا كمن أغــمضَ
عيناً في جفنها الأقذاءُ
أو منعتُم ما تُسألون فمن حدَّدتموه
له علينا العلاءُ
هل علمتم أيَّام ينهب النَّاسُ
غواراً لكلِّ حيٍّ عُواءُ
إذ رفعنا الجمال من سعف البحــرين
سيراً حتَّى نهاها الحساءُ
ثمَّ مِلنا على تميمَ فأحرَمــنا
وفينا بناتُ قومٍ إماءُ
لا يُقيم العزيز بالبلد السَّهــل
ولا ينفع الذَّليل النَّجاءُ
ليس ينجي الذي يُوائل منَّا
رأس طود وحرَّةٌ رجلاءُ
ملك أضرع البريَّة لا يوجدُ
فيها لِما لديه كفاءُ
كتكاليف قومنا إذ غزا المُنــذر
هل نحنُ لابن هند رعاءُ
ما أصابوا من تغلبيٍّ فمطلولٌ
عليه إذا أُصيب العفاءُ
إذ أحلَّ العلياء قبة ميسونَ
فأدنى ديارها العوصاءُ
فتأوت له قراضبةٌ من
كلِّ حيٍّ كأنَّهم ألقاءُ
فهداهم بالأسودين وأمر الله
بلغٌ تشقى به الأشقياءُ
إذ تمنونهم غروراً فساقَتــهم
إليكم أمنيةٌ أشراءٌ
لم يغرُّوكم غروراً ولكن
رفع الآل شخصهم والضَّحاءُ
أيها النَّاطق المبلِّغُ عنَّا
عند عمرو وهل لذاك انتهاءُ
مَن لنا عنده من الخير آياتٌ
ثلاثٌ في كلِّهنَّ القضاءُ
آيةٌ شارقُ الشقيقة إذ جاءت
معدٌّ لكلِّ حيٍّ لواء
حول قيس مستلئمين بكبش
قرظيٍّ كأنَّه عبلاءُ
وصتيت من العواتك لا تنــهاه
إلا مبيِّضةٌ رعلاءُ
فرددناهم بطعنٍ كما يخــرج
من خربة المزاد الماءُ
وحملناهم على حزم ثهلان
شلالاً ودمِّي الأنساء
وجبهناهم بطعنٍ كما تنــهز
في جمَّة الطَّويِّ الدِّلاءُ
وفعلنا بهم كما علم اللهُ
وما إن للحائنين دماءُ
ثم حجراً أعني ابن أمِّ قطام
وله فارسيةٌ خضراءُ
أسدٌ في اللِّقاء وردٌ هموسٌ
وربيعٌ إن شمَّرَت غبراءُ
وفككنا غُل امرئ القيس عنهُ
بعدما طال حبسهُ والعناءُ
ومع الجون جونَ آل بني الأوس
عنودٌ كأنَّها دفواءُ
ما جزعنا تحت العجاجة إذ ولُّـوا
شلالاً وإذ تلظَّى الصِّلاء
وأقدناهُ ربَّ غسَّان بالمنــذر
كرهاً إذ لا تُكال الدِّماءُ
وأتيناهم بتسعة أملاك
كرام أسلابهم أغلاءُ
وولدنا عمرو بن أمِّ أناس
من قريب لمَّا أتانا الحباءُ
مثلها تخرج النَّصيحة للقوم
فلاةٌ من دونها أفلاء
فاتركوا الطَّيخ والتَّعاشي وإمَّا
تتعاشوا ففي التَّعاشي الدَّاءُ
واذكروا حلف ذي المجاز وما قدَّم
فيه العهود والكفلاءُ
حذر الجور والتَّعدي وهل ينــقضُ
ما في المهارق الأهواءُ؟
واعلموا أنَّنا وإيَّاكم فيــما
اشترطنا يوم اختلفنا سواءُ
عنناً باطلاً وظُلماً كما تعــترُ
عن حجرة الرَّبيض الظِّباءُ
أعلينا جناح كندة أن يغــنم
غازيهم ومنَّا الجزاءُ
أم علينا جرَّى إياد كما نيــط
بجوز المحمَّل الأعباءُ
ليس منَّا المضرِّبون ولا قيــس
ولا جندلٌ ولا الحدَّاءُ
أم جنايا بني عتيق فإنَّا
منكم إن غدرتم برآءُ
وثمانون من تميم بأيديــهم
رماحٌ صدورهنَّ القضاءُ
تركوهم ملحَّبين وآبوا
بنهاب يصمُّ منها الحداءُ
أم علينا جرَّى حنيفة أم ما
جمَّعَت من محارب غبراءُ
أن علينا جرحى قضاعة أم ليــس
علينا فيما جنوا أنداءُ
ثم جاؤوا يسترجعون فلم ترجع
لهم شامةٌ ولا زهراءُ
لم يحلُّوا بني رزاح ببرقاء
نطاع لهم عليهم دعاءُ
ثم فاؤوا منهم بقاصمة الظَّهــر
ولا يبردُ الغليل الماءُ
ثمَّ خيلٌ من بعد ذاكَ مع الغلَّاق
لا رأفةٌ ولا إبقاءُ
وهو الرَّبُّ والشَّهيد على يوم
الحيارين والبلاء بلاءُ
شهد بالفديو: حقائق ومعلومات قد لا تعرفونها عن اللغة العربية
خصائص مُعلَّقة الحارث بن حِلِّزة:
- بحر مُعلَّقة الحارث بن حِلِّزة هو البحر الخفيف، وهو بحر ثنائي التفعيلة يقوم إيقاعه على التناغم بين التفعيلتين “مستفعلن وفاعلاتن”.
- تُعَدُّ المُعلَّقة مثالاً عن الشعر السياسي والخطابي.
- المُعلَّقة نموذج يُحتذى به عن الأدب العربي ذي الذوق الرفيع.
- تميزت المُعلَّقة بقوة الحجة والأدلة؛ إذ استخدم “الحارث بن حِلِّزة” القصص التاريخية ليوثق أحداثاً حقيقية بوصفها براهين على صدق كلامه الذي ينفي الشائعات والوشايات التي أطلقها بنو “تغلب” على قبيلة “بكر” بهدف استمالة الملك لهم.
- تبرز المُعلَّقة قوة الفكر ورجاحة العقل اللتين تميز بهما “الحارث بن حِلِّزة”.
- من خصائص مُعلَّقة “الحارث بن حِلِّزة” أنَّها تضمَّنت صوراً وتشابيه حقيقة مثل تصوير أصوات الحرب والاستعداد له.
- تتنوع الأغراض الشعرية في المُعلَّقة؛ إذ نجد الرثاء والوصف والغزل والحكمة.
- تتميز المُعلَّقة بقوة الأسلوب وبالمعنى الواضح أيضاً.
شرح مُعلَّقة الحارث بن حِلِّزة:
فيما يأتي شرح مُعلَّقة الحارث بن حِلِّزة بشكل مقسَّم إلى مقاطع رئيسة:
1. شرح الأبيات من 1 إلى 14:
المضمون الرئيس لهذه الأبيات هو البكاء على الأحبَّة ووصف الناقة.
2. شرح الأبيات من 15 إلى 20:
تكذيب الأقاويل والشائعات التي أطلقها التغلبيون على قبيلة “بكر”.
3. شرح الأبيات من 21 إلى 31:
إظهار عدم الاكتراث للشائعات من قِبل الشاعر وقومه.
4. شرح الأبيات من 32 إلى 39:
الفخر والاعتزاز بالبكريين.
5. شرح الأبيات من 40 إلى 55:
التحدث عن مخازي التغلبيين والنقض للسلم.
6. شرح الأبيات من 56 إلى 64:
ذكر العداوة واستمالة الملك إليهم.
7. شرح الأبيات من 65 إلى 68:
الثناء والمدح والغزل أيضاً للملك.
8. شرح الأبيات من 69 إلى 85:
التحدث عن القرابة التي تجمع البكريين بالملك وخدمتهم له.
في الختام:
مُعلَّقة “الحارث بن حِلِّزة” حدث هام وإرث هام أيضاً للأدب العربي، فمن أهم خصائص مُعلَّقة “الحارث بن حِلِّزة” أنَّها نموذج للفن الرفيع ولقوة الفكر والبلاغة والرزانة أيضاً، كما تحدَّثنا عن شرح مُعلَّقة “الحارث بن حِلِّزة” الذي يتضمن بشكل أساسي الدفاع عن “بكر” والتقرب من الملك ونفي الإشاعات والوشايات.