تجسيد حب الوطن في أبيات الشعراء
ينتمي الشُّعراء للطبقة الأكثر حساسيَّة في المجتمع، فهم الذين يصوغون مفرداتهم من صلبِ مشاعرهم الذاتيَّة، ويصلون إلى قلوبِ وعقول الناس بيسرٍ وسلاسةِ؛ لذا كان للأوطانِ وقعٌ أعمق في نفوسِهِم، فهم قبل كل شيء قد تنفَّسوا هواءها وشربوا ماءها، وربَّما هجروها مُجبَرين أو طائعين، فتركت في قلبوهم كثيرَاً من الآهات والحسَرات التي عبَّروا عنها من خلال قصائدهم.
هذا المقال مخصَّصٌ لبعض ما قاله الشُّعراء عن الأوطان، ستقرؤون فيه كثيراً من الشعر عن الوطن، وتتنقَّلون بين المقامات والبحور والصُّور التي رأى فيها كلُّ شاعرٍ وطنه.
شعر عن حُبِّ الوطن:
الوطن هو المكان الذي نُولدُ فيه، ونحيا فيه طفولتنا وشبابنا، ثمَّ يلفُّنا ترابه كفناً في نهاية حياتنا، هو السماءُ التي تستوعبُ أجنحتنا، والأفقُ الذي تنطلقُ فيه أحلامنا، واليدُ التي تحنو علينا وتُطبطبُ على أكتافنا إذا ما وقعنا.
إليكم بعض الأبيات عن حبِّ الوطن:
ابن الرومي: ولي وطن آليت ألَّا أبيعه:
أعوذُ بحقْوَيْك العزيزينِ أن أُرى
مُقِرَّاً بضيمٍ يتركُ الوجهَ حالِكا
ولي وطنٌ آليتُ ألَّا أبيعَهُ
وألَّا أرى غيري له الدهرَ مالكا
عهْدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً
كنعمةِ قومٍ أصبحوا في ظِلالكا
فقد ألفَتْهُ النفسُ حتَّى كأنَّهُ
لها جسدٌ إن بانَ غودِرْتُ هالكا
وحبَّب أوطانَ الرجالِ إليهمُ
مآربُ قضاها الشبابُ هنالكا
إذا ذكروا أوطانَهُم ذكَّرتهمُ
عُهودَ الصبا فيها فحنَّوا لذلكا
وقد ضامني فيه لئيمٌ وعزَّني
وها أنا منه مُعْصِمٌ بحبالكا
وأحْدَث أحْداثاً أضرَّت بمنزلي
يريغُ إلى بيْعِيهِ منه المسالكا
وراغمني فيما أتى من ظُلامتي
وقال لي اجهدْ فيَّ جُهْدَ احتيالكا
فما هو إلا نسجُك الشعرَ سادراً
وما الشُّعرُ إلا ضلَّةٌ من ضلالِكا
مقالةُ وغْدٍ مثلُه قال مثلها
وما زال قوَّالاً خلافَ مقالكا
صدوفاً عن الخيراتِ لا يرأمُ العلا
ولا يحْتَذي في صالحٍ بمثالِكا
مفدي زكريَّاء: بلادي أحبك فوق الظنون
بلادي أُحبُّكِ فوقَ الظُّنون
وأشدو بحبِّك في كُلِّ نادي
عشقتُ لأجلكِ كلَّ جميل
وهمتُ لأجلكِ في كلِّ وادي
ومن هامَ فيكِ أحبَّ الجَّمال
وإن لامَهُ الغُشمُ قالَ بلادي
لأجلِ بلادي عصَرتُ النُّجوم
وأترعتُ كأسيَ وصغتُ الشَّوادي
وأرسلتُ شعري يسوق الخُطا
بساحِ الفدى يومَ نادى المنادي
وأوقفتُ ركبَ الزَّمان طويلاً
أسألهُ عن ثمود وعادِ
وعن قصَّة المجد من عهدِ نوح
وهل أرمُ هي ذاتُ العمادِ؟
فأقسَمَ هذا الزمان يميناً
وقال بلادي دونَ عنادِ
وقالوا هجَرْتَ ربوعَ البلادِ
وهمتَ مع الشِّعرِ في كلِّ وادي
أجل… قد بعدتُ لأزداد قُرباً
ويلهبُ حبُّ بلادي فؤادي
أرى في كيان بلادي ذاتي
بكلِّ اعتزازٍ وكلِّ اعتدادِ
وما زلتُ عنها بدنيا القلوبِ
سفير القلوبِ بدون اعتمادِ
شاهد بالفديو: أشهر الكتاب والأدباء العرب ومؤلفاتهم
حسني الصبيحي: وطني أحبك لا بديل
وطني أحبُّك لا بديلْ
أتريدُ من قولي دَليلْ
سيظلُّ حُبك في دمي
لا لن أحيدَ ولن أميلْ
سيضلُّ ذِكرُكَ في فمي
ووصيَّتي في كلِّ جيلْ
حُبُّ الوطن ليسَ ادِّعاء
حُبُّ الوطن عملٌ ثقيلْ
ودليلُ حُبِّي يا بلادي
سيشهد به الزَّمنُ الطويلْ
فأنا أُجاهِدُ صابراً
لأُحقِّقَ الهدفَ النَّبيلْ
عمري سأعملُ مُخلِصاً
يُعطي ولن اُصبح بخيلْ
وطني يا مأوى الطفولة
علَّمتَني الخُلقُ الأصيلْ
قسماً بمن فطرَ السماء
ألَّا اُفرِّطَ في الجَّميلْ
فأنا السلاحُ المُنفجِر
في وجهِ حاقد أو عميلْ
وأنا اللهيبُ المُشتعِل
لِكُلِّ ساقط أو دخيلْ
سأكونُ سيفاً قاطعاً
فأنا شجاعٌ لا ذليل
عهدٌ عليَّ يا وطنْ
نذرٌ عليَّا يا جليلْ
سأكونُ ناصحاً مؤتمنْ
لِكُلِّ من عشِقَ الرَّحيلْ
أجمل ما قاله الشعراء عن الوطن:
في تتمة مقالنا شعر عن الوطن، نستعرضُ معاً الآن أجمل ما قاله الشعراء عن الوطن:
شعر عن الوطن: القصيدة الدمشقية للشاعر نزار قباني
هذي دمشقُ، وهذي الكأسُ والرَّاحُ
إنِّي أُحبُّ… وبعضُ الحبِّ ذبَّاحُ
أنا الدمشقيُّ، لو شرَّحتمُ جسَدي
لسالَ منه عناقيدٌ… وتفاحُ
ولو فتحتَم شَراييني بمِديتكم
سمعتُم في دَمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ… تُشفي بعضَ من عشقوا
وما لقلبي – إذا أحببتُ – جرَّاحُ
مآذنُ الشامِ تَبكي إذ تُعانقُني
وللمآذنَ، كالأشجارِ، أرواحُ
للياسمينِ حقوقٌ في منازلِنا
وقطَّةُ البيتِ تَغفو حيث ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا
فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوَّاحُ
هذا مكانُ “أبي المعتزِّ”، منتظرٌ
ووجهُ “فائزة” حلوٌ ولماح
هنا جُذوري، هنا قَلبي، هنا لُغتي
فكيفَ أوضِحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟
كم من دمشقيَّةٍ باعتْ أساورها
حتَّى أُغازلها، والشعرُ مفتاحُ
أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ مُعتذِراً
فهل تسامحُ هيفاءٌ، ووضَّاحُ؟
خمسون عاماً وأجزائي مبعثرةٌ
فوق المحيط، وما في الأفق مصباحُ
تقاذفَتني بحارٌ لا ضفافَ لها
وطاردَتني شياطينٌ وأشباحُ
أقاتلُ القُبحَ في شعري وفي أدبي
حتى يُفتَّحُ نوَّارٌ… وقدَّاحُ
ما للعروبةِ تبدو مثلَ أرملةٍ؟
أليسَ في كتبِ التَّاريخِ أفراحُ؟
والشُّعُر ماذا سيبقى من أصالتهِ؟
إذا تولَّاهُ نصَّابٌ، ومدَّاحُ؟
وكيف نكتبُ والأقفالُ في فمِنا؟
وكلُّ ثانيةٍ يأتيكَ سفَّاحُ؟
حملتُ شِعريَ على ظَهري فأتعبَني
ماذا من الشِّعرِ يبقى حينَ يرتاحُ
شعر عن الوطن: قصيدة بلادي للشاعر نزار قباني
من لَثغةِ الشُّحرور
من بحَّةِ نايٍ مُحزِنهْ
من رجفَةِ الموَّال، من
تنهُّدات المِئذنهْ
من غيمةٍ تحبكُها
عندَ الغروبِ المَدخَنهْ
وجُرحِ قرميدِ القُرى
المنشورةِ المُزيَّنهْ
من وشوشاتِ نجمةٍ
في شرقِنا مُستوطِنهْ
من قصَّةٍ تدور
بين وردةٍ… وسوسَنهْ
ومن شَذا فلَّاحةٍ
تعبقُ منها الميجنَهْ
ومن لُهاثِ حاطبٍ
عادَ بفأسٍ موهَنهْ…
جبالُنا… مروحةٌ
للشرقِ… غَرقى، ليِّنه
توزِّعُ الخيرَ على الدُّنيا
ذُرانا المُحسِنهْ
يطيبُ للعصفورِ أن
يبني لدينا مسكنَه
ويغزلُ الصفصافُ
في حضن السَّواقي موطنَه
حدودُنا بالياسمين
والنَّدى مُحصَّنه
ووردنا مفتَّحٌ
كالفكرِ المُلوَّنهْ
وعندنا الصخورُ تهوى
والدوالي مُدمِنه
وإن غَضَبنا… نزرعُ
الشَّمسَ سيوفاً مؤمِنه
بلادُنا كانتْ… وكانتْ
بعد هذا الأزمِنه!
شعر عن الوطن: يسقط الوطن للشاعر أحمد مطر
أبي الوطَنْ
أُمي الوطَنْ
رائدُنا حبُّ الوطَنْ
نموتُ كي يَحيا الوطَنْ
يا سيِّدي انفلقْتُ حتى لم يَعُدْ
للفلقِ في رأسي الوطَنْ
ولم يعُدْ لدى الوطَنْ
من وطنٍ يُؤويه في هذا الوطَنْ
أيُّ وطَنْ؟
الوطنُ المَنفيُّ…
أم الوطن؟
أم الرَّهينُ المُمتهَن؟
أم سجننا المسجونُ خارجَ الزمنْ؟
نموتُ كي يحيا الوطَنْ
كيفَ يموتُ ميِّتٌ؟
وكيفَ يحيا من اندفَنْ؟
نموتُ كي يحيا الوطَنْ
كلا… سلِمْتَ للوطَنْ!
خُذهُ… وأعطِني بهِ
صوتاً أسمِّيهِ الوطَنْ
ثقباً بلا شمعٍ أُسمِّيهِ الوطَنْ
قطرةَ إحساسٍ أُسمِّيها الوطَنْ
كسرةَ تفكيرٍ بلا خوفٍ أسمِّيها الوطَنْ
يا سيِّدي خذهُ بلا شيءٍ
فقَطْ
خلِّصني من هذا الوطَنْ
* * *
أبي الوطَنْ
أُمي الوطَنْ
أنتَ يتيمٌ أبشعُ اليُتمِ إذن
أبي الوطَنْ
أمي الوطَنْ
لا أمَّكَ احتوتكَ بالحضن
ولا أبوك حَنْ!
أبي الوطَنْ
أمي الوطَنْ
أبوك ملعونٌ
وملعونٌ أبو هذا الوطَنْ!
* * *
نموتُ كي يحيا الوطَنْ
يحيا لِمَنْ؟
لابن زنىً
يهتكهُ… ثمَّ يقاضيهِ الثَّمنْ؟
لِمَنْ؟
لاثنين وعشرينِ وباء مزمناً
لمن؟
لاثنين وعشرين لقيطاً
يتَّهمونَ اللهَ بالكفرِ وإشعالِ الفتَنْ
ويختمونَ بيتهُ بالشَّمعِ
حتى يَرعوي عن غيِّهِ
ويطلبَ الغفرانَ من عند الوثَنْ؟
تفٌ على هذا الوطَنْ!
وألفُ تف مرَّةً أخرى!
على هذا الوطَنْ
من بعدنا يبقى الترابُ والعفَنْ
نحنُ الوطَنْ!
من بعدنا تبقى الدَّوابُ والدُّمَنْ
نحنُ الوطَنْ!
إنْ لم يكُنْ بنا كريماً آمناً
ولم يكُنْ محترماً
ولم يكُنْ حُراً
فلا عِشنا… ولا عاشَ الوطَنْ!
شعر عن الوطن: وطني لو شغلت بالخلد عنه للشاعر أحمد شوقي
وسَلا مِصْرَ هَلْ سَلا القلْبُ عَنْها
أَوْ أَسَا جرْحَهُ الزَمانُ المُؤَسِي؟
كُلَّمَا مرَتِ اللَّيالي عَلَيْه
رَقَّ والعَهْدُ في اللَّيالي تُقسِي
مُسْتطارٌ إذا البَواخِر رَنَّتْ
أوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ عَوتْ بَعْدَ جَرْسِ
رَاهِبٌ في الضُلوعِ للسُفْنِ فَطْنٌ
كُلَّمَا ثُرْنَ شاعَهُنَّ بنَقْسِ
وطَني لَو شغِلتُ بِالخلدِ عَنهُ
نازَعَتني إِلَيهِ في الخلدِ نَفسي
شعر عن الوطن: قصيدة موطني للشاعر إبراهيم طوقان
مَوطني موطني
الجَّلالُ والجَّمالُ والسَّناءُ والبهاءُ
في رُباك في رُباك
والحياةُ والنجاةُ والهناءُ والرَّجاءُ
في هواك في هواك
هلْ أراك هلْ أراك
سالِماً مُنعَّماً وغانماً مُكرَّماً
هلْ أراك في علاك
تبلغُ السِّماك تبلغُ السِّماك
مَوطني موطني
موطني موطني
الشَّبابُ لن يكُلَّ همَّهُ أن تستقلَّ
أو يبيدْ أو يبيدْ
نستَقي من الرَّدى ولن نكون للعِدى
كالعَبيد كالعَبيد
لا نُريدْ لا نُريدْ
ذُلُّنا المؤبدا وعيشُنا المُنكَّدا
لا نُريدْ بل نُعيدْ
مجدَنا التَّليدْ مجدَنا التَّليدْ
موطني مَوطني
مَوطني مَوطني
الحسامُ واليراعُ لا الكلامُ والنِّزاعُ
رمزنا رمزنا
مجدُنا وعهدُنا واجبٌ من الوفا
يهزُّنا يهزُّنا
عزنا عزنا
غايةٌ تُشرِّفُ ورايةٌ تُرفرفُ
يا هناك في علاك
قاهراً عداك قاهراً عداك…
شعر عن الوطن: قصيدة صباح الخير يا وطناً للشاعر عباس الديلمي
صبَاحُ الخَيْرِ يَا وَطنَاً
يَسِيرُ بِمَجْدِهِ العَالِي إِلَى الأَعْلَى.
ويَا أرْضَاً عَشِقْنَا رَمْلَهَا
والسَّفْحَ والشُطْآنَ والسَّهْلَ.
صَباَحُ الخَيْرِ يا قِمَمَاً
إليكِ الشَّمْسُ تُهْدي القُبلةَ الأولَى.
وَأَنْتِ الخَيْرُ يَا مَنْ
في كِتَابِ اللهِ ذِكرُكِ آيةً تُتْلَى.
وأَنْتِ الخَيْرُ يَا بَلَدِي. يَا بَلَدِي.
تُرابُكِ طُهْرُ مَنْ صَلَّى
ومَاؤُكِ مِنْ دَمي أَغْلَى.
وحُبُّكِ هَدْيُ مَنْ ضَلَّ
حَمَاكِ الخَالِقُ المَوْلَى.
عَلَى مِنْدِيلِكِ الأَخْضَر
سَكَبْتُ عَواطِفي عِطرَا.
وَفَوْقَ جَبِينِكِ الأسْمَرْ
رَأَيْتُ المَجْدَ والفَخْرَ.
وفِيكِ بِحُبِّنَا الأَكْبَرْ
أَذُوبُ بِلَوْعَةٍ حَرَّى.
أحِنُّ إِلَيْكِ أنْدَاءً
خُيُوطُ الفَجْرِ مِرشَفُهَا.
وألْحَاناً عَلَى أوْتَار
هَذا القَلْبِ أعْزِفُهَا.
وَلَوْعَةَ عَاشِقٍ فِي عَجْزِهِ
يَحْتَارُ وَاصِفُهَا.
تُرَابُكِ طُهْرُ مَنْ صَلَّى
ومَاؤُكِ مِنْ دَمي أَغْلَى.
وحُبُّكِ هَدْيُ مَنْ ضَلَّ
حَمَاكِ الخَالِقُ المَوْلى.
في الختام:
كانت هذه أجمل القصائد من شعر عن الوطن، وكما رأينا فإنَّ فيها من الحُبِّ والشَّوق والسَّخط ما لا نستطيع إلا أن نتأثَّرَ به، وتنوَّعَت هذه القصائد بحسب حالة الشَّاعر الشُّعوريَّة، فكان فيها المُعاتِبُ والمشتاقُ والمُمتنُّ، إلا أنَّ القاسمَ المشترك بينها جميعاً هو صدقُ القائلِ، فحتى ذلك السَّاخط الغاضب لم ينبع سخطه إلا من حزنه وشوقه، وأخيراً نتمنَّى أن تكون مختاراتنا من شعر عن الوطن قد أعجبتكم، وأن تبقى أوطانكم عامرةً بالخير والأمان.