Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التدريس والتعلم

رمز الأدب العربي وشاعر العصر


كما أنَّ الألفاظ أصبحت أرق والتراكيب أسهل بشكل عام؛ لأنَّ الشعر أصبح أقرب من نفسية الشاعر، فكان وسيلته الرئيسة للتعبير عن أحاسيسه ومشاعره وأفكاره وأمنياته سواء الشخصية أم المتعلقة بأهله وقبيلته؛ أي يمكننا القول إنَّ الشعر في العصر العباسي تناول حياة الأشخاص.

ترك الشعراء في العصر العباسي بصمة استمرت حتى يومنا الحالي بالنسبة إلى معظمهم كبشار بن برد الذي تغلَّب بشعره على فقدانه للبصر، وأبي تمام الذي تميَّز بفصاحته وقوة أشعاره، وأيضاً أبي نواس الذي أبدع في وصف الخمريات، وأبي العتاهية أشهر مَن نظم في الزهد، والبحتري الذي اشتهر بنظمه لقصائد المديح، أما المتنبي فكان شاعراً مميزاً في عصره وكل عصر، وهو مَن سنتعرف إلى كل ما يتعلق به في مقالنا الحالي، فتابع القراءة.

نبذة عن المتنبي:

المتنبي هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، وُلد المتنبي في الكوفة في عام 915 ميلادي الموافق لسنة 303 هجرية في بلدة تسمى دير العاقول العراقية، وكان والد المتنبي فقيراً ويمكننا القول معدوم الحال، فقد عمل في بيع الماء كما يقال عنه، لكن المتنبي لم يذكره في ديوانه، فلم يمدحه أو يرثيه عند موته، لذلك لا توجد معلومات كافية عن والد المتنبي.

كذلك أمه، فلا توجد معلومات عن أصلها أو حتى اسمها، والمعروف فقط أنَّه بعد موت والدته قد كفلته أمها، فقد أحبته جدته حباً كبيراً، واختلف المؤرخون في نسب المتنبي فبعضهم نسبه إلى قبيلة كندة والتي تعد من قبائل العرب المشهورة جداً، ومنهم مَن أنكر ذلك ونسبه إلى حي كندة في الكوفة الذي وُلد المتنبي فيه.

حياة المتنبي:

كانت حياة المتنبي زاخرة بالأحداث والمراحل والمحطات التي تركت أثراً كبيراً فيه، وخاصة في شعره، وبالرغم من أنَّ المتنبي ولد في العراق إلا أنَّه نشأ في سوريا، فبعد الاضطرابات التي حدثت في الكوفة ذهب مع والديه إلى الصحراء السورية وأقام في البادية لمدة سنتين تقريباً، والتي ساعدت على صقل موهبته، والتي ظهرت قبل أن يكمل العشر سنوات، فأجزلت البادية لسانه وجعلته ثوري المزاج، وعلمته الأنفة والمنعة والقسوة.

ثم تابع في اكتساب العلم عبر مصاحبة الورَّاقين والسفر إلى العلماء والتعلم على أيديهم، مثل: أبو بكر محمد بن دريد وأبو القاسم عمر بن سيف البغدادي والسكري وأبو عمران موسى وغيرهم العديد من العلماء.

أما اسمه المتنبي، فكان نتيجة ادعائه النبوة في شبابه، فقد ابتعد عن الفواحش وانصرف للعلم انصرافاً تاماً، وأودى به ادعاء النبوة إلى السجن في حمص بحسب بعض الروايات، ولكن يقال أيضاً إنَّ سجنه كان لأغراض سياسية فحسب.

حين وصل المتنبي إلى سيف الدولة الحمداني شعر بأنَّه عثر على ضالته، فسيف الدولة فارس وقائد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ومميز بالذكاء والفطنة والإخلاص للعرب، لذلك وضع المتنبي آماله في استعادة العرب لعزتهم عبره، فنشأت بينه وبين سيف الدولة علاقة متينة قلَّ مثيلها، وعاش المتنبي في كنفه أجمل أيامه، فنظم أجمل القصائد في تلك الفترة، والتي تجاوز عددها الثمانين قصيدة، أما المدة فهي تسع سنوات تقريباً.

لكن لكثرة الوشايات من الحسَّاد لم تستمر علاقة الود بين سيف الدولة والمتنبي، فغادر المتنبي حلب سنة 365 هجرية، واتجه إلى دمشق ثم إلى مصر، فقد استدعاه كافور الإخشيدي، وكان حينها المتنبي مكسور الخاطر، فأقام إلى جانب كافور لمدة خمس سنوات قضاها في مديحه، ليس إعجاباً به إنَّما طمعاً بعلو الشأن، ولأنَّ كافور كان يعلم بذلك؛ فقد خلى بالمتنبي فلم يحقق شيئاً من أمنياته كما أنَّ كافور عاداه وزاد وضعه سوءاً، فأصبح المتنبي كارهاً الإقامة في مصر، فهجا كافور وسميت تلك القصائد بالكافوريات.

ثم اتجه المتنبي إلى العراق وتنقل بين الكوفة وبغداد، ومكث فترة لدى أبي الفضل بن العميد وزير عضد الدولة، ونظم قصائد مديح له سيمت بالعميديات، ومن ثم مكث بضيافة عضد الدولة بن بويه ثلاثة أشهر، ونظم قصائد لمدحه سميت بالعضديات، ولكن فيما بعد رغب بالرحيل والعودة إلى العراق.

شعر المتنبي:

تتعدد الأغراض الشعرية في شعر المتنبي، فشملت كثيراً من الجوانب، وأبرزها ما يأتي:

أولاً: فلسفة الحياة

أمثلة عن شعره في فلسفة الحياة ما يأتي:

1. ذم الناس:

صحبَ الناس قبلنا ذا الزمانا

وعناهُم من شأنِه ما عنانا

وتولَّوا بغصَّة كل دواهم منه

وإن سرَّ بعضهم أحيانا

2. الموت والحياة:

غير أنَّ الفتى يلاقي المنايا

كالحاتٍ ولا يلاقي الهوانا

وإذا لم يكُن من الموتِ بدٌّ

فمنَ العجزِ أن تكونَ جبانا

3. فلسفة الشجاعة:

الرأيُ قبل شجاعة الشُّجعان

هو أوَّل وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس حرَّة

بلغت من العلياء كلَّ مكان

ثانياً: المديح

مدح المتنبي كثيراً من الأمراء والقادة، ومنهم:

1. مدح كافور الإخشيدي:

يَدِلُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كُلُّ فَاخِرٍ

وَقَدْ جَمَعَ الرَّحْمَنُ فِيكَ الْمَعَانِيَا

إِذَا كَسَبَ النَّاسُ الْمَعَالِيَ بِالنَّدَى

فَإِنَّكَ تُعْطِي فِي نَدَاكَ الْمَعَالِيَا

2. مدح سيف الدولة الحمداني:

على قدرِ العزمِ تأتي العزائمُ

وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ

وتعظمُ في عينِ الصغيرِ صغارُهَا

وتصغرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ

ثالثاً: الفخر

نظم كثيراً من قصائد الفخر منها ما يأتي:

1. فخره بطموحه وإرادته القوية:

أريدُ من زمني ذا أن يبلِّغَني

ما ليسَ يبلُغُهُ من نفسِهِ الزمنُ

2. فخره بفروسيته:

لأتركنَّ وجوهَ الخيلِ ساهمةً

والحربُ أقومُ من ساقٍ على قدمِ

والطَّعنُ يحرفُها والزَّجرُ يقلقُها

حتى كأنَّ بها ضرباً من اللممِ

3. فخره بشعره:

وما الدهرُ إلَّا من رواةِ قصائِدِي

إذا قلتُ شعراً أصبحَ الدَّهرُ مُنشداً

فسارَ بِهِ مَن لا يسيرُ مُشمِّراً

وغنَّى بِهِ مَن لا يغنِّي مُغرِّداً

رابعاً: الوصف

أبدع المتنبي في شعر الوصف، ومن شعره ما يأتي:

1. وصف جيش الروم:

أتوكَ يجرُّون الحديدَ كأنَّما

سروا بجيادٍ ما لهنَّ قوائمُ

إذا برقوا لم تعرِفِ البيضَ منهم

ثيابُهم من مثلِها والعمائمُ

2. وصف الطبيعة:

وَردٌ إِذا وَرَدَ البُحَيرَةَ شارِباً

وَرَدَ الفُراتَ زَئيرُهُ وَالنيلا

 وإذا أتتك مذمتي من ناقص

خامساً: الرثاء

رثى العديد من الأشخاص أبرزهم جدته وأخت سيف الدولة، قال:

طَوى الجَزيرَةَ حَتَّى جاءَني خَبَرٌ

فَزِعتُ فيهِ بِآمالي إِلى الكَذِبِ

حَتَّى إِذا لَم يَدَع لي صِدقُهُ أَمَلاً

شَرِقتُ بِالدَمعِ حَتَّى كادَ يَشرَقُ بي

سادساً: الهجاء

لم ينظم كثيراً من القصائد في الهجاء، منها ما يأتي:

هجاء كافور الإخشيدي:

وَتُعجِبُني رِجلاكَ في النَعلِ إِنَّني

رَأَيتُكَ ذا نَعلٍ إِذا كُنتَ حافِيا

وَإِنَّكَ لا تَدري أَلَونُكَ أَسوَدٌ

مِنَ الجَهلِ أَم قَد صارَ أَبيَضَ صافِيا

خصائص شعر المتنبي:

انعكست شخصية المتنبي على شعر، كما انعكست الأحداث التي مر بها عليه أيضاً، فتميز شعره بما يأتي:

  • حصل شعر المتنبي على مكانة عالية بين شعر العرب عامة، فكان بمنزلة أعجوبة جعلته مصدر وحي لكثير من الشعراء والأدباء حتى يومنا الحالي.
  • تظهر مظاهر القوة والشجاعة والطموح بوضوح في شعر المتنبي، لكنَّه رأى أنَّ الشجاعة غير هامة دون وجود العقل.
  • تحدثت أشعار المتنبي عن الحكمة في الحياة وفلسفتها وأنَّ القدر محتوم.
  • ظهر اعتزاز المتنبي بعروبته بشكل واضح في شعره، كما اعتزَّ بنفسه كثيراً.
  • استخدم المتنبي المعاني المبتكرة والصور الصادقة والأحاسيس التي أثرت قلوب من استمع لشعره، لذلك ينتمي المتنبي إلى شعراء المعاني لإبداعه في الصياغة التي تجمع الحكمة والشعر.
  • تميز شعره بالنظرة التشاؤمية للناس والدهر الذي وجده عائقاً بينه وبين أحلامه، كما أنَّه رأى الناس متقلبين لا يصونون الود ولا يثبتون على المواقف ولا يراعون الصداقة.

وفاة المتنبي:

المتنبي هو الشاعر الذي قتله شعره، فالسبب الرئيس في وفاته هو بيت شعر كتبه وهو أشهر أبيات الشعر التي يفخر فيها بنفسه، فعندما كان مسافراً من مصر إلى بغداد بصحبة خادمه فقط اعترضته مجموعة من قبيلة “فاتك الأسدي”، وهو خال “ضبة الأسدي” والذي نظم المتنبي قصيدة هجاء به اسمها “ما أنصف القوم ضبَّة”، وتميزت بأنَّها من الطراز الرفيع في الهجاء؛ لكونها ضمت ألفاظاً جارحة وشتائم تخرج عن الآداب العامة، وعندما اعترضوا طريقه قرر الهرب بسرعة، فقال له خادمه مستنكراً: “أتهرب وأنت الذي قال:

الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرِفُني

والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ”

فقرَّر المتنبي العودة والقتال، ويُذكَر أنَّه قال لخادمه: “قتلتني بها قتلك الله”.

في الختام:

المتنبي شاعر من العصر العباسي، عاش حياة حافلة بالأحداث المتقلبة، تميَّز بفصاحته وبلاغته منذ عمر صغير، فصار من أبرز وأهم شعراء عصره، وقد وُلد في الكوفة ثم نشأ في سورية وتقرَّب من الأمراء والقادة، ونشأت علاقة وطيدة بينه وبين سيف الدولة الحمداني، ثم انتقل إلى مصر.

خلال مسيرة حياته كتب كثيراً من قصائد المدح والفخر بنفسه أو بالقادة ممَّن تقرَّب منهم، وقد ذكرنا في مقالنا أمثلة عن ذلك، وأيضاً أمثلة عن قصائده في فلسفة الحياة، وفي الرثاء، والهجاء أيضاً، أما وفاة المتنبي فكانت نتيجة شعره، فكان الشاعر الذي قتله شعره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى