Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التدريس والتعلم

من هي فدوى طوقان؟ نسبها وحياتها وشعرها


لا يمكن للشاعر – ولو امتلك عين صقر – أن يرى العالم والحياة كما تراه الشاعرة، فلمسة الأنوثة لا بدَّ ستُقتفى، وليس هذا انحيازاً للجانب النسوي؛ إنَّما إضاءة على جانب جمالي لا يخفى على كل متذوق للجمال.

يمكننا قراءة أعمال الشاعرة “فدوى طوقان” التي تظهر فيها روح الأنثى ورقتها حتى في الحديث عن أكثر المشاعر والمشاهد قسوة، فحتى الاحتلال وقسوته في كلمات الشاعرة الفلسطينية يكون أخف وطأة وأكثر تهذيباً، وفي هذا المقال سوف نتعرف إلى إحدى الشاعرات المتفرِّدات في عصرنا الحديث، فمن هي “فدوى طوقان”؟

نبذة عن فدوى طوقان:

اسمها الكامل “فدوى عبد الحميد آغا طوقان”، وهي فلسطينية الأصل مولودة في مدينة “نابلس” عام 1917؛ إذ نشأت الشاعرة “فدوى طوقان” ضمن أسرة عريقة المحافظة، في بيت توارثته العائلة عن الأجداد، كما توارثت معه السلطة الذكورية، فكانت النساء فيه أشبه بالسجينات، كما أوضحت لنا الشاعرة من خلال كتاباتها.

طفلة من بين عشرة أطفال نشأت “فدوى”، فلم تنل كفايتها من حب والديها واهتمامهم، ونالت بدلاً عن ذلك الاضطهاد والقسوة والقمع، بدءاً من محاولة إجهاض والدتها لها، مروراً إلى توكيل خادمة المنزل أمور العناية بها، وحرمانها من اللعب بالدمى في سن الثامنة لكبح جماح خيالاتها، وصولاً إلى فشل الأم في الدفاع عن ابنتها في حال وقوع الظلم عليها بسبب التقاليد العائلية.

أما والد “فدوى طوقان” فلم يكن صاحب حضور لافت في حياتها؛ إذ لم يكن مرحِّباً بقدومها منذ البداية، فقد كان يتوقع مولوداً ذكراً، ولمَّا جاءته أنثى لم يعرها أي اهتمام، فنشأت بينهما علاقة باردة وواهية، جعلت “فدوى” تتأرجح في مشاعرها بين الحاجة إلى وجود الأب وعدم الانتماء إليه، على الرغم من معاناته من المرض ودخوله السجن لأسباب سياسية.

حياة فدوى طوقان:

في ظل الطفولة الداكنة التي عاشتها “فدوى طوقان”، استكملت معاناتها بحرمانها من مواصلة تعليمها، وخضوعها للإقامة الجبرية في المنزل الذي أضحى سجناً كبيراً، ومن ثمَّ اعتلال صحتها وملازمة الملاريا لها في الطفولة، وأيضاً الحاجة إلى متطلبات مادية لم تُلَبَّ.

في المراهقة لم تكن الشاعرة أفضل حالاً؛ إذ أثارت شاعريتها حنق جلَّادها من حماة التقاليد، أما الشيخة التي تحدَّثت عنها في مذكراتها، التي يرجح أنَّها كانت معلمة الدين، فلم تكن أيضاً صاحبة حضور لطيف؛ بل كانت كابوساً أثار فيها الرعب سنوات طويلة.

إنَّ كتابات “فدوى طوقان” الحزينة والمرهفة تشي بقسوة الحياة التي عاشتها، وتشرح أسباب تشكُّل شخصيتها المتشائمة الكئيبة الانطوائية، وتبرر محاولاتها في التمرد والانتحار، ولعل الضوء الوحيد الذي كان يشع في مرحلة صبا الشاعرة هو أخوها الشاعر المرهف مثلها “إبراهيم طوقان” الذي شغل مقعد الأب الفارغ في نفسها، فملأ قلبها اهتماماً وقبولاً وحباً.

في الشباب، ملأ الحب قلب الشاعرة لفكرة الحب بحد ذاتها أولاً، وللشاعر المصري “إبراهيم نجا”، ومن ثمَّ الناقد المصري “أنور المعداوي”، إلا أنَّ الحب توقف عند هذا الحد ولم يثمر عن زواج؛ إنَّما كانت ثمرته عشرات القصائد والرسائل الملتهبة الشجنة المتبدلة بين العاشقين، التي بقيت بوصفها إرثاً عاطفياً لهما ولجميع الأجيال، ومسماراً دُقَّ في نعش التقاليد التي نجحت في وأد فكرة التمرد على رفض الزواج بغريب من بلد آخر.

على الصعيد الدراسي، سُمح لـ “فدوى” طوقان بالحصول على تعليم ابتدائي فقط، بينما نال إخوتها الذكور تحصيلاً جامعياً، ونقل إليها أخوها “إبراهيم” قواعد الشعر والنحو والبلاغة والعروض، وشجعها على كتابة الشعر وقراءة أمهات الكتب في الأدب والفكر، فكانت قارئة شرهة، هربت من نافذة الكتب من سجن البيت، فكانت تقرأ كل ما تقع عليه عيناها، وفي جميع المجالات، من التاريخ والاجتماع والفلسفة وعلم النفس وغيرها.

في عام 1939، اصطحبها أخوها “إبراهيم” إلى مدينة “القدس” للعيش معه، وتعرفت في تلك الفترة إلى شعراء وأدباء وسياسيين، وبدأت تعلُّم الإنجليزية، لتنتقل في أواخر آذار/ مارس عام 1962 للعيش في “لندن” لمدة عامين؛ إذ اطلعت على أعمال الأدباء والشعراء والفلاسفة الغربيين، وانفتحت على الفكر الغربي وإصداراته، وأما مسيرتها الشعرية الواقعية فلم تبدأ إلا بعد النكسة عام 1967.

نشرت “فدوى طوقان” قصائدها الأولى في الصحف والمجلات العربية، مثل مجلة الرسالة ومرآة الشرق، وكانت توقِّع قصائدها الغزلية باسم مستعار هو “دنانير”، لتحمي نفسها من سكاكين التخلف.

كانت “فدوى طوقان” مولعة بالسفر لأسباب فلسفية تخصها، وقد زارت كلاً من “روسيا”، و”الصين”، و”السويد”، و”إيطاليا”، و”ألمانيا”، و”هولندا”، و”رومانيا”، و”بريطانيا”، ومعظم الدول العربية، وعلى صعيد العمل فقد شغلت “فدوى طوقان” مناصب جامعية عدة، وشاركت في مؤتمرات وندوات واجتماعات كثيرة جداً.

في حياة تكرَّست للشعر والأدب، أنتجت الشاعرة عدداً من المؤلفات، وهي “وحدي مع الأيام”، و”وجدتها”، و”أعطني حباً”، و”أمام الباب المغلق”، و”الليل والفرسان”، و”على قمة الدنيا وحيداً”، و”تموز والشيء الآخر”، و”اللحن الأخير”، وتُرجِمت بعض أشعارها إلى لغات أجنبية عدة، كما حصدت كثيراً من الجوائز المحلية والعربية والعالمية.

شعر فدوى طوقان:

بعد حياة “فدوى طوقان” الصعبة في مرحلتي الطفولة والمراهقة، والتجارب التي خاضتها والثقافات التي تعرفت إليها من خلال القراءة والسفر، كتبت “فدوى طوقان” عدداً من القصائد التي تناولت موضوعات عدة، ولقد قلنا آنفاً إنَّ النكسة الفلسطينية كانت نقطة تحول في المسيرة الشعرية الخاصة بها، وفيما يأتي نستعرض بعض قصائد “فدوى طوقان”.

1. قصيدة رجوع إلى البحر:

إنَّا سنمضي يا جزيرة حُلْمنا
لا تمسكينا بعدُ، يكفينا بأرضك ما لقينا
أَلَقَاً سَرَابيَّاً لقينا
وخيوط ضوء واهيات غرَّرتنا
لمَّا دعتنا
ورَمَتْ بنا في القفر، في العَبَثِ المُريعِ وضيَّعتنا

*****

لمَّا رأينا من بعيدٍ ظِلَّكَ الرَّطْبَ الظَّليلْ
يُومي ويدعو خَطْوَنا التَّعِب الكليلْ
قلنا وصلنا واسترحنا
ولسوف ندخلها كِراماً آمنين
وهنا سنُلقي عِبْئَنا
وهنا سينسى روحُنا المكدودُ أحزانَ السنينْ
قلنا وقلنا
وعلى رَفيفِ مروجِك الخضراءِ ضاحكْنا الرجاءْ
اللهَ ما أحلى الرجاءْ
للتائهين على الطريق
للمُدْلِجينَ بلا رفيق
قلنا وقلنا
لكن وَهَمنا، يا سذاجة ما وَهَمنا
لمَّا أتينا ثمَّ ألْقَيْنَا رواسِينَا بأرضك حالمينْ

* * *
لا تمسكينا يا جزيرةَ حُلْمِنَا
إنَّا سنمضي عنك، لن نبقى هنا
نُعطيك من أشواقنا عبثاً ومن أعمارنا
فيضِي وأعطي الآخرين
من خِصبكِ المغداق، أعطي للسِّوى ظلاً وماءْ
فلقد عَزَفْنَا عنك، أفرغْنَا القلوبَ من الرجاءْ

* * *

إنَّا سنَمضي عن شواطئك الملوَّنةِ الضَّحُوكْ
سنعود نُسلم للرياحِ شرَاعَنَا
ونظلُّ نحمل تِيهَنَا وضَيَاعَنَا
يا تِيهَنَا وضَيَاعنا
في الصاخب الهدَّارِ، في هذا الخِضَمِّ بلا قرار
سنصارع الموجَ الكبير
وهناك نُعطي عُمْرَنَا
للصاخبِ الهدَّارِ نُعطي عُمْرَنَا
وكفاحنا
وهناك سوف نواجه التِّيهَ المحتَّمَ والمصيرْ
ونحن نحضن كِبْرَنا

2. قصيدة إليهم وراء القضبان:

“إلى بناتنا وأبنائنا الذين، التهمتهم السجون في إسرائيل وفي كل مكان”.

الأغنية الوصية:

وشرَّعتْ جهنمٌ أبوابها
وابتلعت براعم الصِّبى الطريِّ في أقبائها
ولم تزل هنالك الغنوه
على شفاه الفتية الفرسان
حمراء مزهوَّه
تخترق الظلام والجدران:
“يا إخوتي”
“بدمي أخطُّ وصيتي”
“أن تحفظوا لي ثورتي”
“بدمائكم”
“بجموع شعبي الزاحفه”
“فتح أنا”
“أنا جبهة”
“أنا عاصفة”

من مفكرة رندة:

في نصف هذا الليل.. آه!
حذاره يدقُّ في الدهليز.. آه!
مبتدع التعذيب
آتٍ وتدنيني خطاه
من غرفة التحقيق.. آه!
أتٍ وتدنيني خطاه
من زمن الكابوس والجحيم والصراع
***
لوقت فاقد هنا نعليه، واقفٌ
تختلط الأيام والفصول
تُراه موسم البذار؟
تُراه موسم الحصاد؟
تُراه؟
من يقول؟
لا خبر
ويقف السجَّان وجهه حجر
وعينه حجر
يسلب منا الشمس يسلب القمر
***
خلف حدود الليل
تظلُّ خيل الوقت في سباقها..
تركض نحو موطن الحلم..
***
قبيل اعتقالي
رسمت حروفاً على دفتر
جديد عتيق..
رسمت عليه وروداً
روتها دماء العقيق
وكانت بجنبي أمي
تبارك رسمي.
***
أراها
على وجهها الآن صمتٌ ووحده
وفي الدار صمتٌ ووحده
حقيبة كتبي هناك على رفِّ مكتب
ومعطف مدرستي عالقٌ فوق مشجب
أرى يدها الآن تمتدُّ، تنفض عنه الغبار
أتابع خطوات أمي
وأسمع تفكير أمي
أتوق إلى حضن أمي ووجه النهار

شاهد بالفديو: أشهر الكتاب والأدباء العرب ومؤلفاتهم

 

من مفكرة تيسير:

يا هذه الجدران
الأخوة الأحباب والأهلون
ما يفعلون الآن؟
لعلَّ قاطعي الزيتون يقطعون
لعل زيتون الجبال
يئنُّ بين فكَّي المعاصر
لعل دمه يسيل..
يا حامل القنديل
الزيت وفرٌ، أطعم القنديل
وارفعه للسارين
رافعه مثل الشمس
فالوعد لقيا في ربى “حطين”
والوعد لقيا في جبال “القدس”

خصائص شعر فدوى طوقان:

جارت “فدوى طوقان” الحركة الشعرية الحديثة التي بدأت في الخمسينيات وتبنتها، وتخلت عن كتابة القصيدة بشكلها التقليدي وبدأت كتابة شعر التفعيلة، فكانت من أوائل الشعراء العرب في هذا التجديد، فخرجت عن القالب التقليدي خالفة قالبها الخاص الذي يشبهها في الشكل والمضمون.

كتبت “فدوى” القصيدة ذات الظاهرة المقطعية، واستخدمت في قصائدها البناء القصصي والحوارات الداخلية والارتجاع الفني، واستوحت مفرداتها وتراكيبها من التراث تارة ومن الأساطير تارة أخرى، وكتبت في بعض المواضع القصيدة ذات الأصوات المتعددة، وجمعت بين الأزمنة في سياق درامي.

انعكس التحول الشكلي للقصيدة من الهيئة التقليدية إلى الهيئة الحداثية على المضمون، فنقله من التمحور حول النفس وهمومها وما يشغلها إلى التمحور حول موضوع أعم، وهو القضية الوطنية.

كانت “فدوى” تعاني من تطلُّب والدها منها كتابة الشعر السياسي، وخاصةً بعد وفاة شقيقها “إبراهيم”، ولكنَّها – على الرغم من محاولاتها – لم تستطع فعل ذلك إلا بعد وفاة والدها عام 1948، وتأثرها بأهوال الاحتلال، فبدأت تكتب الشعر الوطني بفطرة الثكلى على وطنها.

وفاة فدوى طوقان:

بعد مسيرة شعرية حافلة توفيت “فدوى” إثر أزمة قلبية في 12 كانون الأول/ ديسمبر عام 2003، في مستشفى مدينة “نابلس”؛ حيث رقدت في العناية المركزة نحو 20 يوماً، قبل أن تودع عالمنا وتحلق في الفضاء الأرحب، عن عمر ناهز 86 عاماً.

إقرأ أيضاً: من هو أحمد شوقي؟

في الختام:

كانت هذه مسيرة الشاعرة الفلسطينية “فدوى طوقان” التي حملت ألقاباً مثل “شاعرة فلسطين” و”أم الشعر الفلسطيني”، علقها على صدرها شعراء هامون وقرَّاء ذوَّاقون، وعلى الرغم من مرور ما يزيد عن 20 عاماً على وفاتها، إلا أنَّ اسمها وقصائدها ما تزال حية في النفوس، وستبقى كذلك إلى الأبد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى