التدريس والتعلم

أبرز الشعراء السعوديين الذين تركوا بصمة في الشعر الحديث


تأثَّر الشعر السعودي بالتراث العربي الغني، واحتفَظَ بسمات فريدة تعكس البيئة المحلية، فبرز مجموعة من الشعراء المبدعين الذين تركوا بصماتهم في الساحة الأدبية. يمكننا فهم كيفية تطوُّر الشعر السعودي وما يعكسه من رؤية مستقبلية من خلال استعراض الأنماط المختلفة والتوجُّهات الفنية، ممَّا يجعل منه موضوعاً شيِّقاً يستحقُّ الدراسة والبحث.

لذا، سنعرض في هذا المقال أهم سمات الشعر السعودي، ونُلقي الضوء على شعراء سعوديين معاصرين والتوجهات الأدبية التي شكَّلَت رسم سمات الشعر في المملكة.

تاريخ الشعر السعودي

كانت الجزيرة العربية مهداًَ لفحول الشعراء الذين تغنَّوا بصحرائها قبل أكثر من 1600 عام، فخلَّدوا تاريخ أُمَّتهم، وآدابها، وحضاراتها في قصائدهم، مستلهمين من عبير أزهار صحاريها الفوَّاحة أجمل أشعار الحنين والوجدان.

تُعدُّ صحارى المملكة أكبر مصدر للإلهام، فاحتضَنَت المواضع التي خلَّدها شعراء العرب القدامى، بدءاً من حَومِل، وصفا الأطيط، والجواء، وصولاً إلى هومانة الدرَّاج، والمتثلِّم، وغيرها من المواقع. وقد شكَّلت هذه الأماكن مصدر إلهام لكلِّ شاعر ومبدع نشأ على أرض المملكة.

يمثِّل إبداع الشعراء السعوديين المعاصرين امتداداً لتجربة أدبية عميقة وتاريخية، فعُقبَ توحيد المملكة وبدء نهضتها الحديثة، شَهِد الشعر تطوراً كبيراً وخاصة مع استقرار الأوضاع الاجتماعية والسياسية والازدهار الاقتصادي، وقبلَ تأسيس المملكة، كان الوضع الأدبي مختلفاً عمَّا شَهِدَته الحركة الثقافية بعد عام 1932. عزَّز ظهور الصحف، والمطابع، والتعليم الرسمي الاتصال بالأدب العربي، ممَّا أتاح للشعر السعودي مواكبة التطورات العامة في الشعر العربي، مع الحفاظ على الموروث الشعري القديم الذي يتميَّز بجودة اللغة والمعنى.

إذاً، تتمتَّع المملكة العربية السعودية بتاريخ ثقافي وأدبي طويل ومشرِّف، بدأ في القرن الماضي وبلغَ ذروته في السنوات الأخيرة.

تتميَّز المملكة أيضاً بتنوع الفنون الأدبية، ومن أبرزها الشعر والشيلات، اللذان يمثِّلان علامات فارقة في تاريخ الإبداع السعودي، احتلَّ الشعر مكانة هامة في التاريخ الأدبي لشبه الجزيرة العربية، وكان انعكاساً لتاريخ الدولة السعودية عبر مراحلها المختلفة، وتناوَلَ الأحداث السياسية، والدينية، والاجتماعية وفقاً لكتاب “نشأة الشعر السعودي” من جامعة عين شمس.

كان الشعراء السعوديون حلقة وصل بين الماضي والحاضر، فحافَظُوا على تقاليد أسلافهم واستلهموا أفكارهم من ثقافتهم، ممَّا أظهَر عصر النهضة الشعرية. تميَّزت هذه الفترة بالتزام الشعراء بالدفاع عن الإصلاح الديني، وتنوَّعت موضوعات الشعر لتشمل الوعظ، والسياسة، والوصف، والحب، كما برع الشعراء في الرثاء والثناء.

تقدَّمت الفنون الأدبية تقدُّماً كبيراً منذ تأسيس المملكة، مدفوعة بعوامل مثل ظهور دور النشر وتأسيس الأندية الأدبية المدعومة من الدولة، وبدأَت حركات التجديد في الشعر السعودي في ستينيات القرن الماضي، فتمثَّلت اتجاهات الشعر في اتجاهين رئيسَين:

1. الاتجاه المجدِّد

يركِّز على المشاعر الذاتية والوجدانية، ويعكس القضايا الاجتماعية المعاصرة، مثل تحرير الجزائر واحتلال فلسطين.

2. الاتجاه المحافظ

يستند إلى الشعر العربي القديم من حيث الإيقاع والمضمون، مع الالتزام بالقافية والوزن العمودي واستخدام الصور الفنية التقليدية.

يعكس هذا التنوع في الأساليب التغيُّرات الثقافية والاجتماعية التي شَهِدَتها المملكة، ممَّا يعزِّز مكانتها في المشهد الأدبي العربي، وقد حظي الشعراء السعوديون بفرص كبيرة للمشاركة في الفعاليات الشعرية عبر الصحف المحلية والعربية، ممَّا جعل تجربتهم الشعرية محطَّ اهتمام النقاد والباحثين.

برزت عدة دواوين وثَّقت بدايات الشعر السعودي الحديث، مثل ديوان “الهوى والشباب” لأحمد عبد الغفور عطَّار (1346هـ)، و”أحلام الربيع” لطاهر زمخشري (1365هـ)، و”البسمات الملوَّنة” لحسن القرشي (1366هـ)، وتوالت الدواوين بعد ذلك، وحقَّقت دراسات أكاديمية واسعة في الجامعات.

تُسهم النوادي الأدبية وأفرع جمعية الثقافة والفنون في المملكة مساهمةً ملموسةً في نشر الشعر السعودي من خلال طبع الدواوين وتنظيم الأمسيات، وتقديم الجوائز التشجيعية للمبدعين، مثل جائزة العقيق الشعرية وجائزة السنوسي وجائزة محمد الثبيتي للإبداع وغيرها.

أولَت المملكة الشعر العربي مكانة مميَّزة، فأتاحت الفرصة للشعراء العرب للمشاركة في مهرجاناتها الكبيرة، مثل مهرجان الجنادرية وسوق عكاظ، إضافة إلى دعم عام “الشعر العربي” من خلال فعاليات ومبادرات شراكة مع المجتمع والجهات الثقافية.

سمات الشعر السعودي

يتمتَّع الشعر السعودي بسمات مميَّزة وفريدة، وسنتحدَّث فيما يأتي عن سمات كلِّ اتجاه من اتجاهات الشعر في المملكة، يتميَّز الاتجاه التجديدي في الشعر السعودي بعدة سمات رئيسة، تعكس التحوُّلات الثقافية والاجتماعية في المملكة، ومن أبرز هذه السمات:

  • تنوع الأساليب: استخدام أساليب جديدة في الكتابة، مثل الرمزية والتجريد، ممَّا يُثري النصوص الشعرية.
  • الابتعاد عن التقليدية: التخلِّي عن القوالب الشعرية التقليدية، مثل البحور القديمة، واعتماد أساليب حرة في البناء الشعري.
  • التعبير عن القضايا المعاصرة: التركيز على موضوعات تعكس القضايا الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية الراهنة، ممَّا يجعل الشعر أكثر ارتباطاً بالواقع.
  • استخدام اللغة الحديثة: الاعتماد على لغة عصرية وسلسة، تتناسب مع متطلَّبات العصر وتجذب الأجيال الجديدة.
  • التجريب في الأشكال: تجربة أشكال جديدة من الشعر، مثل الشعر النثري، ممَّا يفتح المجال أمام آفاق جديدة للإبداع.
  • التفاعل مع الفنون الأخرى: التزاوج بين الشعر والفنون الأخرى، مثل الموسيقى والرسم، ممَّا يعزِّز من تأثيره وجاذبيته.
  • التأثيرات العالمية: استلهام الأفكار والأساليب من الأدب العالمي، ممَّا يوسِّع آفاق الشعر السعودي.

أمَّا عن سمات الاتجاه التقليدي المحافِظ في الأدب السعودي، يعدُّ الاتجاه التقليدي المحافِظ أحد الاتجاهات الفنية في الشعر السعودي الحديث، وقد نشأ في القرن الرابع عشر الهجري.

يتميَّز شعراء هذا الاتجاه بالتزامهم بالتراث العربي، وتظهر في قصائدهم عدة خصائص، منها:

  • استخدام لغة رصينة: يعتمد الشعراء على أسلوب فخم والتزام لغوي واضح.
  • اختفاء الشخصيات الفردية: تقلَّصت شخصية الشعراء مقارنة بالأدب القديم، ممَّا أدى إلى تراجع الأساليب التعبيرية الفردية.
  • ذكر الأماكن والأشخاص: يتكرر ذكر أسماء الأماكن والأشخاص بكثرة.
  • قوة المضمون: تتميَّز القصائد بقوة مضمونها وصفاء إيقاعها الشعري.
  • اختيار البحور الطويلة: يفضِّل الشعراء استخدام البحور الشعرية الطويلة.
  • الاستلهام من الشعر القديم: تعتمد الصور الشعرية على التراث العربي القديم.
  • الاقتباس: يُقتبَس من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والأمثال، وقصائد الشعراء القدامى.
  • الاهتمام بالأغراض التقليدية: يُركِّز الشعراء على الموضوعات القديمة مثل الرثاء والمدح، كما يعبِّر شعراء هذا الاتجاه عن تأثرهم في الشعراء القدماء، مثل أبو الوليد بن عثيمين الذي تأثَّر بشعر أبي تمام في قصيدة “العز والمجد”، وأحمد الغزاوي الذي تأثَّر بشعر أبي فراس الحمداني، وتجلَّى لِحسين سرحان تأثير حياة البادية في قصائده.

أبرز الشعراء السعوديين

سنعرض فيما يأتي أبرز الشعراء السعوديين المعاصرين:

1. سعد بن جدلان الأكلبي

يُعرَف بلقب “شاعر الوصف” الذي أطلقه عليه الأمير خالد الفيصل، وهو شاعر سعودي معاصر، ويُعدُّ من أبرز شعراء العرضة الجنوبية، وهو نوع من الشعر الفلكلوري الشعبي في السعودية.

يتميَّز بن جدلان بشعريته القوية في المحاورة والعرضة، وله شهرة واسعة وشعبية كبيرة بين الجماهير، ويُعدُّ أحد الروَّاد في هذا الفنِّ الفلكلوري، ممَّا يجعله شخصية بارزة في الساحة الشعرية السعودية.

2. سلطان بن وسام الهاجري

يعدُّ أحد أبرز الشعراء السعوديين، وهو شاعر سعودي معاصر وُلد في عام 1379 هجري، وبرز نجمُه في مجالات مختلفة من الشعر، مثل شعر المحاورة والنظم، واكتسبَ شهرة واسعة بعد ظهوره الإعلامي في دولة الكويت عام 1991.

يتميَّز أسلوبه بالشعر الذي يعكس الثقافة والهوية السعودية، وله عدد من القصائد التي لاقت استحسانَ الجماهير، فهو يتميز في شعر المحاورة بأسلوبه الفريد الذي يجمع بين النغمة الشعبية والبلاغة.

3. بدر بن عبد المحسن

يعدُّ من أبرز الشعراء المحدَثين في الشعر العربي النبطي، وهو شاعر سعودي وُلد عام 1949 في الرياض، يتميَّز بدر بعدة جوانب تتناول قصائده موضوعات متعدِّدة، تشمل الوطن، والحب، والرثاء، والفخر، كما يتميَّز ببلاغته وسلاسة لغته، ممَّا يجعل قصائده قريبة من قلوب متابعيه.

وله دور كبير في تطوير القصيدة النبطية، فأدخلَ عناصر جديدة وعصرية في شعره. يُعدُّ بدر بن عبد المحسن رمزاً من رموز الشعراء السعوديين المعاصرين.

4. عبدالله بن محمد باشراحيل

يعد من الشعراء المبدعين في المملكة، وهو شاعر وكاتب سعودي وُلد عام 1951، ويمتاز بكتابة القصائد والدواوين الشعرية المتنوعة التي تغطِّي موضوعات اجتماعية وثقافية.

أسَّس جائزة باشراحيل للإبداع الثقافي، ممَّا يعكس اهتمامه بتشجيع المواهب الأدبية، وشاركَ في عدد من المهرجانات والأمسيات الشعرية، ممَّا عزَّز حضوره في الساحة الأدبية.

حاز على عدة جوائز وأوسمة تقدير في مسيرته الشعرية، ممَّا يبرز إسهاماته في الأدب السعودي، ويعدُّ عبدالله باشراحيل واحداً من الأسماء البارزة في الشعر السعودي، وله تأثير كبير في الأجيال الجديدة من الشعراء.

5. أحمد عبدالله التيهاني

يُعدُّ من الأسماء البارزة في الساحة الشعرية السعودية وهو شاعر سعودي معروف، ويمتاز بشعره الذي يجمع بين العاطفة والعمق الفكري، ممَّا يجعله يحظى بشعبية كبيرة، وله حضور في عدد من المهرجانات الشعرية والأمسيات، حيث يشارك بأعماله المنافِسة.

أثناء تكريم الشاعر أحمد عبدالله التيهاني

يُعرف بتأثيره في الأجيال الجديدة من الشعراء، ويُعدُّ نموذجاً يحتذى به في الشعر العربي المعاصر، وتستمر أعماله في التأثير في محبِّي الشعر والأدب في السعودية وخارجها.

6. عبدالله الفيصل

هو شاعر سعودي وُلد في عام 1923 وتوفي في عام 2007، ويُعدُّ من أبرز شعراء العصر الحديث في العالم العربي، ويتميَّز بلغة شاعرية غنية، وبلاغة عالية، ممَّا جعله يؤثر في قلوب الكثيرين، وكتبَ كلمات عدد من الأغاني التي غنَّاها كبار الفنانين العرب، ممَّا ساهم في شهرة قصائده.

أسهمَ إسهاماً كبيراً في تطوير الشعر العربي الحديث، وله تأثير مستمر في الأجيال الجديدة من الشعراء، وشغلَ عدة مناصب في الحكومة السعودية، ممَّا أضفى طابعاً رسمياً على أعماله، ويعدُّ عبدالله الفيصل رمزاً من رموز الشعر العربي، ويحتل مكانة خاصة في الأدب السعودي.

في الختام

في ختام هذا المقال، يتَّضح أنَّ الشعر السعودي يمثِّل تجسيداً حيَّاً لتراث وثقافة المملكة، فيعكس تطلُّعات الشعب ويعبِّر عن مشاعره وأفكاره.

حقَّق الشعر السعودي من خلال تنوُّع موضوعاته وأساليبه توازناً بين الحفاظ على التراث والانفتاح على التجديد، شكَّلَ الشعراء السعوديون عبر العصور الهوية الثقافية للمملكة، وأثَّروا في الساحة الأدبية العربية من خلال أعمالهم المتميِّزة، ويعكس التأثير المتبادَل بين الشعراء السابقين والمعاصرين عمق التجربة الشعرية وقدرتها على التكيُّف مع التغيرات الاجتماعية والسياسية.

يبقى الأمل معقوداً على الأجيال القادمة مع استمرار تطور الشعر السعودي لمواصلة هذا الإرث الثقافي وتعزيز مكانة الشعر في المشهد الأدبي العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى