Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التدريس والتعلم

قصيدة المتجردة للنابغة الذبياني


كان لـ “النابغة” علاقة وطيدة مع “النعمان بن المنذر” ملك “الحيرة”؛ إذ كان مهتماً بالشعر كثيراً، وقد كتب فيه عدداً من قصائد المديح، إلى أن كتب قصيدة “المتجردة” في وصف زوجة “النعمان”، فشعر بالغضب منه؛ لذا دعونا نتعرف معاً في هذا المقال إلى قصيدة “المتجردة” لـ “النابغة الذبياني”.

التعريف بقصيدة “المتجردة” للنابغة الذبياني:

هي قصيدة رائعة من البحر الكامل، وقد وصل عدد أبياتها إلى 35 بيتاً شعرياً من إحدى قصائد المديح والغزل التي نظمها “النابغة الذبياني”، فهذه القصيدة من ضمن المعلقات الشهيرة للشاعر التي اعتذر من “النعمان” بعدها بسبب ما تم إيصاله من كلام لـ “النعمان” عن أنَّ “النابغة” قد وصف زوجته وصفاً فاحشاً.

القصيدة ذات قافية واحدة، وتحتوي على كثير من الصور البلاغية والفنية المميزة تبعث على موسيقى جميلة وألوان من الكلمات البديعة؛ إذ يحاول الشاعر في قصيدة “المتجردة” إيصال المعنى للمتلقي بطريقة فنية غير مباشرة، وهذا زاد القصيدة جمالاً وإبداعاً.

قصة قصيدة المتجردة للنابغة الذبياني:

اتفقت جميع روايات علماء التاريخ والمؤرخين على المكانة العالية التي حظي بها “النابغة الذبياني” عند “النعمان بن المنذر”؛ إذ قرَّبه منه بعد أن أجاد في مدحه، وحظي من نفس الملك منزلة طيبة، وهذا جعله يتمتع بأجزل عطايا الملك وأوفرها.

من الأمثلة عن مدح “النعمان” عندما قال: “إنَّك شمس والملوك كواكب إذا طلعتَ لم يبدُ منهن كوكب”، فهذا جعل الملك يهديه 100 ناقة من الإبل السوداء، وأصبح الأقرب إليه وشاعر قصره المفضل.

إلا أنَّ قصة قصيدة “المتجردة” لـ “النابغة الذبياني” تبدأ عندما رأى “النابغة” “المتجردة”؛ أي زوجة “النعمان”، وقد غافلها أمر أدى إلى سقوط نصيفها؛ والنصيف هو الغمامة أو ما يغطي الرأس عند المرأة، ويدل على عفتها، إلا أنَّها تسترت بيدها وذراعها مباشرة.

الأمر الذي دفع “النابغة الذبياني” لكتابة القصيدة في وصف أمور عجيبة في وصف جسدها وتفاصيله، وعندما سمع “النعمان” بهذا الكلام غضب منه وأوعده وهدده، فهرب منه إلى ملوك الغساسنة في بلاد الشام.

أبيات قصيدة المتجردة للنابغة الذبياني:

دعونا نتعرف معاً إلى أبيات قصيدة “المتجردة” لـ “النابغة الذبياني”، فعندما رأى الشاعر زوجة “النعمان بن المنذر” وقد سقط خمارها ودارته بيديها، كتب في وصفها كلمات تصف إعجابه بحسنها:

أمِن آلِ مَيَّة رائحٌ أو مغتدِ

عجلان ذا زادٍ وغير مزوَّدِ

أفِد الترجُّل غير أنَّ رِكابنا

لمَّا تزُل بِرِحالنا وكأن قدِ

زعمَ البوارِحُ أنَّ رحلتنا غداً

وبذاك خُبرنا الغُدافُ الأسودُ

لا مرحباً بغدٍ ولا أهلاً به

إن كان تفريقُ الأحبَّة في غدِ

حان الرحيلُ ولم نودِّع مهدداً

والصبح والإمساءُ منها موعدي

في إثرِ غانيةٍ رمتكَ بسهمها

فأصاب قلبكَ غيرَ أن لم تقصدِ

غنيت بذلكَ إذ همُ لكَ جيرةٌ

منها بعطفِ رسالةٍ وتودُّدِ

ولقد أصابت قلبهُ من حُبِّها

عن ظهر مرنانٍ بسهمٍ مُصردِ

نَظرت بمقلةِ شادنٍ مُتربِّبٍ

أحوى أحمِّ المقلتين مُقلَّدِ

والنظمُ في سلكٍ يُزيِّنُ نحرها

ذهبٌ توقَّدَ كالشهابِ الموقدِ

صفراءُ كالسيراءِ أُكمِلَ خلقُها

كَالغصنِ في غُلوائِهِ المُتأوِّدِ

والبطنُ ذو عكنٍ لطيفٌ طيُّهُ

والإتبُ تنفجهُ بثديٍ مقعدِ

محطوطةُ المتنينِ غير مُفاضةٍ

ريَّا الروادفِ بِضَّةُ المتجرِّدِ

قامت تراءى بينَ سجفي كِلَّةٍ

كالشمس يومَ طلوعها بالأسعُدِ

أو دُرَّةٍ صدفيَّةٍ غَوَّاصها

بَهِجٌ متى يرها يهلُّ ويسجدِ

أو دميةٍ من مرمرٍ مرفوعةٍ

بُنيت بِآجُرِّ تشاد وقرمدِ

سقط النَّصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولتهُ واتقتنا باليد

بمخضَّبٍ رخصٍ كأنَّ بنانهُ

عَنَمٌ يكادُ من اللطافة يعقد

شاهد بالفديو: حقائق ومعلومات قد لا تعرفونها عن اللغة العربية

 

نظرَت إليكَ بحاجةٍ لم تقضها

نظرَ السقيم إلى وجوه العُوَّدِ

تجلو بقادمتي حمامةِ أيكةٍ

بَرَداً أُسِفَّ لثاثهُ بالأثمدِ

كالأقحوان غداةَ غبَّ سمائه

جفَّت أعاليه وأسفله ندي

زعمَ الهمام بأنَّ فاها باردٌ

عذبٌ مقبله شهيُّ المورد

زعم الهمام ولم أذقه أنَّه

عذبٌ إذا ما ذقتَه قلتَ ازددِ

زعم الهمام ولم أذقه أنَّه

يشفي بِريَّا ريقها العطش الصدي

أخذَ العذارى عقدها فنظمنه

من لؤلؤ متتابعٍ متسرَّدِ

لو أنَّها عرضت لأشمط راهبٍ

عبد الإله صرورة متعبَّدِ

لَرنا لبهجتها وحسن حديثها

ولخاله رشداً وإن لم يَرشُدِ

بِتكلُّمٍ لو تستطيعُ سماعه

لدنَت له أروى الهضاب الصُخَّدِ

وبِفاحمٍ رجلٍ أثيثٌ نبتهُ

كالكرمِ مال على الدعام المسندِ

فإذا لمستَ لمستَ أجثمَ جاثماً

متحيِّزاً بمكانهِ مِلءَ اليدِ

وإذا طعنتَ طعنتَ في مشهدفٍ

رابي المجسَّة بالعبيرِ مُقرمدِ

وإذا نزعتَ نزعتَ عن مستحصفٍ

نزع الحزُّور بالرِّشاء المُحصَدِ

وإذا يعضُّ تشدُّه أعضاؤهُ

عضَّ الكبير من الرجال الأدردِ

ويكاد ينزع جلد من يُصلى بهِ

بلوافحٍ مثل السعير الموقدِ

لا واردٌ منها يحورُ لمصدرٍ

عنها ولا صَدِرٌ يحور لموردِ.

شرح قصيدة المتجردة للنابغة الذبياني:

يبحث كثير من القراء ومحبي الشعر القديم عن شرح قصيدة “المتجردة” لـ “النابغة الذبياني” كونها من القصائد التي تتمتع بجزالة كلماتها وقوة تعبيراتها، وتأتي الحاجة إلى شرحها من كونها قد تكون مبهمة وغامضة لكثير من الناس، لهذا سنتعرف معاً إلى شرح عام عن قصيدة “النابغة الذبياني” في زوجة “النعمان”:

1. شرح الأبيات الأربعة الأولى من قصيدة المتجردة للنابغة الذبياني:

لنبدأ بشرح الأبيات (1-4)؛ إذ بدأ الشاعر قصيدته يتعجب ويتساءل عن ذهابه وعودته من وإلى دار أمية، على الرغم من أنَّ “النابغة الذبياني” تغنى بدار أمية أكثر من مرة، والدليل على ذلك ذكره دار أميَّة في مطلع قصيدته؛ إذ يقول بالتفصيل:

إلى متى أيها الرجل ستظل ذاهباً وعائداً من دار أمية كل صباح ومساء مستعجلاً، تأخذ زادك معك وترجع دون الزاد الذي ذهبتَ من أجله، ويقصد بها هنا “دون أن تتمكن من رؤية مية”، ولقد حان موعد رحيلك، ولكنَّ الإبل ثابتة لا ترغب بالرحيل، إلا أنَّه ولشدة اقتراب الموعد تحسها بدأت بالحراك كأنَّها تهم بالذهاب.

2. شرح الأبيات من 5 حتى 8:

يقول شرح الأبيات (5- 8) إنَّه حان موعد الذهاب، وإلى هذه اللحظة لم تقم محبوبته بتوديعه على الرغم من أنَّ موعدنا لا يقتصر على الصبح والمساء؛ بل يمتد على كافة الدهر والأيام وفي جميع الأوقات.

لقد حان موعد الرحيل عندما أصابتني إحدى الحسناوات بسهام عينيها الجميلتين اللتين تسحران لب العاشق، وتصيبان قلبك دون أن تقتلاك؛ بل توقعاك أسير الحب والعشق.

3. شرح الأبيات من 9 حتى 11:

في شرح الأبيات (9-11)، يقول: نظرَت إليه تلك الحسناء بنظرة الغزال الحبيسة في المنزل، وليس أي غزال؛ إنَّما فقط النوع الذي يميل لونه للحمرة ذو عينين سوداوين كسواد الليل، وقد تم تزيينه بالذهب والمجوهرات، كما تزيَّن صدر هذه الحسناء بالقلادات الذهبية اللامعة والمشعة، ويبدو كأنَّه ضوء ساطع كأنَّه الشهاب الوقَّاد في سمائنا.

4. شرح الأبيات من 12 حتى 16:

يقول لنا في الأبيات (12-16) إنَّ تلك الفتاة الحسناء أظهرت لنا حسنها وجمالها من فتحة الستارة الرقيقة الشفافة، فظهرت وكأنَّها الشمس في أحلى وأبهى طلتها وتبدو مشرقة صافية ونضرة وخلابة.

هي كذلك كالدرة الغالية العظيمة التي ما إن تجدها وتكون لك، ستملأ الدنيا فرحاً، ومن كثرة فرحك ستكثر التكبير والتهليل، وستعظم من شكرك لله سبحانه وتعالى على ما أعطاك إياه، وستركع وتسجد له.

عندما رأتني سقط خمار وجهها وتفاجأت، وعندها حاولت أن تغطي وجهها عني بذراعها ويديها وبأصابعها الرقيقة الناعمة التي تشابه في رقتها نبات العنم الأخضر الطري ذي النضارة، وأحس أنَّه لشدة رقة ونعومة أصابعها يمكن عقدها ولفها على بعضها بعضاً.

5. شرح الأبيات من 17 حتى 23:

يقول في الأبيات (17-23) لو أنَّ هذه الحسناء الجميلة رآها أحد الرُّهبان العجائز الكبار في السن الذي يعلو رأسه الشيب، وقد كان ممتنعاً عن كل شيء إلا العبادة طوال حياته، ولم يفعل إثماً واحداً، ولم ير النساء أو يتزوج، سيُفاجأ بهذه الجميلة، وسيطيل النظر لها ويتمعن في حسن حديثها، وستسلب منه عقله وقلبه، وسيكون ذلك من العقل والرشد بالنسبة إليه وليس من الضلال، إن كان ذلك من الأصل يُعَدُّ ضلالاً.

6. شرح الأبيات العشرة الأخيرة من قصيدة النابغة الذبياني:

أما في الأبيات (25-35) الأخيرة فإنَّها من شدة عذوبة حديثها والرقة في كلامها تؤثر في كافة الناس من حولها، لدرجة أن إذا سمعتَ كلامها وعذوبته وكنتَ أكثر الرجال قسوة ونفوراً، سوف تتأثر بهذا الكلام الجميل.

ستصغي بدقة إلى كلامها بسبب تلك العذوبة التي تسيل من فمها، وجمال حديثها، وشعرها الأسود الكثيف الطويل يتراكب فوق بعضه بعضاً كأنَّه عناقيد من العنب الشهي المسنودة إلى دعائم وركائز لطولها وكثرتها وكثافتها.

في الختام:

في النهاية، بعد أن تعرَّفنا إلى قصيدة “المتجردة” لـ “النابغة الذبياني”، ربما ستجد بعض الكلمات صعبة الفهم لكونها من قصائد الجاهلية القديمة التي تحتوي على كلمات يصعب استخدامها في وقتنا الحالي، إلا أنَّها إحدى أجمل قصائد الغزل في الشعر العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى