من هو ابن الفارض؟ نسبه وحياته وشعره
نبذة عن ابن الفارض:
هو أبو حفص شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي، إذ عُدَّ أحد شعراء التصوف وأشهرهم وكان شعره يدور دوماً حول العشق الإلهي، وبسبب نوع شعره تم إلقاء لقب سلطان العاشقين عليه.
في بداية شبابه أخذ الحديث عن ابن عساكر، وبدأ بالعمل بفقه الشافعية، وما هي إلا مدة قليلة سلك طريق الصوفية وسافر إلى مكة وانعزل في وادٍ قريب منها، وأصبح يمارس طقوسه الصوفية في الوادي.
تردد ابن الفارض إلى المسجد الحرام في أوقات عديدة ليتعبد الله سبحانه وتعالى، ليصل بعدها إلى أعلى مراحل الصوفية والأعلى مقاماً، فأشرق نور الله تعالى في نفسه ووصل إلى منزلة مقام الشهود الإلهية، وعدَّ حصوله على هذا المقام هو غايته الأساسية التي أتى لأجلها.
قرَّر بعدها الرجوع إلى القاهرة، كيف لا وهي مسقط رأسه وولادته، وبدأ بممارسة تعبُّده في قاعة الخطابة الموجودة في الجامع الأزهر يؤدي ما يستطيع من عباداته.
كان معظم وقته لا يتكلم، ويغلب على طبعه السكون، وفي كثير من الأحيان يبقى هكذا لمدة أيام، فإذا فاق عن عزلته يلقي شعره فقط.
نُقِلَت عن الشاعر كرامات عديدة فأصبح مقصداً لكثير من الناس يطلبون منه الدعاء ويأخذون البركة، فإذا حضر مجلس للذكر يخرج العرق بشدة من جسده بسبب الانفعالات الشديدة التي يقوم بها.
عُرِف آنذاك بجميل وجهه ذي توهجه الشديد، وكان حسن الهيئة بملابسه، إضافة إلى الرقة في طبعه وحبه للناس المحيطة به وفصاحة لسانه بالتحدث، وبذلك نكون قد أجبنا عن سؤال من هو ابن الفارض؟
حياة ابن الفارض:
وُلِد ابن الفارض سنة 576 هجرياً في القرن السادس عشر، وفي عام 1181 ميلادياً وتحديداً في اليوم الثامن من شهر آذار في مصر، ويعود أصله إلى قبيلة بني سعيد، وهي قبيلة مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية.
من الأمور التي جعلت ابن الفارض من الشخصيات الصوفية الهامة معاصرته للقائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي، والذي شهد على جميع انتصاراته التي أعادت الأمل لجميع المسلمين بعد توالي العديد من الهزائم على يد الصليبيين.
ازدهر شعره تحديداً عند ذهابه لمكة المكرمة وبقاءه فيها لمدة 15عاماً، فنظم كثيراً من الأشعار يصف فيها جمال تلك الفترة وكيف كانت تجربته الصوفية هناك، إذ إنَّ جلوسه فيها جعله يرتقي لمستويات روحانية رفيعة.
ينتمي ابن الفارض إلى أصول سورية في مدينة حماة، وهذا ما جعله شاعراً معروفاً بسبب انتمائه لأهل الشام المعروف عنهم رقتهم في الأدب وتقديمهم لأسمى معاني الجمال في قصائدهم.
عند ولادته ترعرع في كنف والده المحب للعلم والذي كان يشغل منصب نائب الحكم في مدينة القاهرة، وعندما كبر الابن قليلاً دفعه والده إلى حضور مجالس العلم، وخاصة مجالس التصوف ودراسة علوم الشريعة إضافة إلى اللغة، فخلال فترة دراسته تعرَّف إلى عقائد الصوفيين وطريقتهم في التعبد ونقل الأحاديث النبوية أيضاً.
هذا ما عزز لديه حب الخلوة والوحدة لممارسة التعبد، فذهب إلى المساجد المهجورة وتارة أخرى إلى المقابر التالفة ثم إلى جبل المقطم الموجود في القاهرة ولكن كل ذلك لم يقض في نفسه حب التعبد الذي يريده، لذلك سافر إلى الحجاز واعتكف في واد هناك ليقوم بالصيام والذكر والتعبد بعيداً عن مخالطة الناس، وفي بعض الأحيان يذهب إلى المسجد الحرام ليقوم بالتعبد هناك أيضاً.
كان جواب من يسأل من هو ابن الفارض؟ فقط شاعراً صوفياً حصل على أعلى مقامات الصوفيين في عصره.
شعر ابن الفارض:
في زمن كثر فيه شعر التصنع والتكلف، جاء شعر ابن الفارض بمنزلة طوق نجاة لمحبي الشعر آنذاك، وعلى الرغم من وجود ديوان وحيد وصغير لديه يضم ما يقارب 1850 بيتاً، إلا أنَّه أصبح تحفة أدبية وتراثاً روحياً، فهو يعد من أفضل الدواوين العربية الخاصة بالشعر الصوفي.
لقد تميَّز بموضوعات الحب وتقدير الذات الإلهية، كما امتاز شعره بعمق الأفكار التي يقدمها، إضافة إلى متانة الألفاظ وجزالتها واستخدام الأسلوب الحقيقي المدمج مع الخيال.
تميز ديوان ابن الفارض بسيطرة إحساسه وعاطفته عليه، فمثَّل في ذلك الوقت أنشودة خاصة بأناشيد الحب، ومن شعره انطلق كثير من الشعراء متأثرين به، فاستخدموا أبياته في مواضع كثيرة من قصائدهم، كما لقي الديوان إقبالاً كبيراً لدى الأدباء فشرحوه وحللوه بعدة لغات منها العربية والفارسية والهندية، وبذلك يكون جواب من هو ابن الفارض؟ معروفاً بالنسبة إلى أبناء عصره وشعراء يومنا هذا.
ومن بعض القصائد التي ألفها ابن الفارض:
- قلبي يحدِّثني بأنَّك متلفي.
- شربنا على ذكر الحبيب مدامة.
- ما أطيب ما نمنا معاً في برد.
- سيدي ما قبيلة في زمان.
- يا راحلاً وجميل الصبر يتبعه.
- روحي للقاك يا مناها اشتاقت.
- أنتم فروضي ونفلي.
- ما اسم طير إذا نطقت بحرف.
- أوميض برق بالأبيرق لاحا.
أبيات من قصائد ابن الفارض:
سنذكر لكم الآن أبرز أبيات قصائد ابن الفارض المشهورة حتى يومنا هذا، والتي تحولت إلى قصائد ملقاة على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل كثير من المؤثرين، فنتمنى أن تنال إعجابكم:
1. قصيدة “قلبي يحدِّثني بأنَّك متلفي“:
قلبي يُحَدِّثني بأَنَّكَ مُتْلِفِي
روحي فِداكَ عرَفْتَ أمَ لم تَعْرِفِ
لم أَقْضِ حَقَّ هَواكَ إن كُنتُ الذي
لم أقضِ فيِه أسىً ومِثليَ مَنْ يَفي
ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ
في حُبِّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف
فلَئِنْ رَضِيتَ بها فقد أسعَفْتَني
يا خَيبَة المَسْعَى إذا لم تُسْعِفِ
يا مانِعي طيبَ المَنامِ ومانِحي
ثوبَ السِّقامِ بِهِ ووَجْدِي المُتْلِفِ
عَطفاً على رَمقي وما أبقَيتَ لي
منْ جسميَ المُضْنى وقلبي المُدَنَفِ
فالوَجْدُ باقٍ والوِصَالُ مُماطلي
والصَّبْرُ فانٍ واللِّقاء مُسَوِّفي
لم أَخلُ من حَسَدٍ عليك فلا تُضِعْ
سَهَري بتَشْنِيع الخَيالِ المُرجِفِ
واسأَلْ نجومَ اللَّيلِ هل زارَ الكَرَى
2. قصيدة “أوميض برق بالأبيرق لاحا”:
أوَميضُ بَرْقٍ بالأُبَيْرِقِ لاَحا
أم في رُبَى نجد أرى مِصباحا
أم تلكَ ليلى العامريَّةُ أَسْفَرَتْ
ليْلاً فصيَّرَتِ المساءَ صباحا
يا راكِبَ الوجْناء وُقِّيتَ الرَّدى
إن جُبتَ حَزْناً أو طوَيتَ بِطاحا
وسَلَكْتَ نُعمانَ الأراكِ فعُجْ إلى
وادٍ هُناكَ عَهدْتهُ فَيَّاحا
فبأيْمَنِ العلمَيْنِ مِن شرقيِّه
عَرِّجْ وأُمَّ أرينَهُ الفوَّاحا
وإذا وصلْتَ إلى ثَنِيَّاتِ اللوَى
فانْشُدْ فؤاداً بالأُبَيْطح طاحا
واقْرِ السَّلامَ أُهَلْيَهُ عَنِّي وقُل
غادرْتُهُ لِجَنابِكُمْ مُلْتاحا
خصائص شعر ابن الفارض:
ما يميز شعر ابن الفارض عن سائر الشعراء في عصره أنَّه تميز بخصائص فريدة جعلته الأول آنذاك، وهي:
1. الروحانية:
تعد الروحانية من الخصائص العامة التي جعلت شعر ابن الفارض شعراً أسطورياً حينها، فتناول في معظم قصائده الموضوعات الدينية والروحية بدقة بعيداً عن الخيال، وهذا النوع يكون نابعاً من قلبه مكرساً عليه جميع مشاعره.
2. الطبيعة:
استخدم الطبيعة للتعبير عن المشاعر والأفكار المحيطة به، فكان يتأمل بجمال الطبيعة ويستخدم صورها وتوظيفها في شعره.
3. الغموض:
كان يستخدم اللغة في شعره بطريقة غير مباشرة، وهذا ما جعل معانيه غامضة ومتشابكة بشكل مميز.
4. الحب:
جعل الشاعر الحب أساس قصائده وموضوعاً هاماً فيها، فكان يستخدمه بشكل روحاني بسبب مروره بتجربة حب الذات الإلهية بشدة.
5. التصوف:
كرَّس ابن الفارض شعره للتصوف، فكان يتناول في شعره جميع قضايا الصوفيين وكيفية التأمل بشكل عميق وجذاب بعيداً عن الاصطناع.
منزلة ابن الفارض الأدبية والروحية:
إنَّ استخدام التصوف في شعر ابن الفارض جعله يتميز على شعراء عصره، ولولا هذه الميزة لكان شعره اندثر منذ مدة ولم يلقَ شهرة واسعة مثل هذه، إضافة إلى ذلك إنَّ استخدام المعاني الرمزية ووزنها هو السر الذي جعل الأفراد يتناولونه بعد أن كان شعراء العصر يهتمون فقط بوزن الألفاظ قبل كل شيء.
كما جمع في شعره كلاً من الحقيقة والخيال، ولم يتفرد بواحدة منها، فكانت الحقيقة عنده هي الصور الروحية المستخدمة، أما الخيال فاعتمد على صوره الحسية التي رمز لها بالمعنويات.
وفاة ابن الفارض:
توفي ابن الفارض في سنة 1235 ميلادي، وبقيت أشعاره إرثاً أدبياً يتدارسه للأجيال، وإضافة إلى ذلك ما تزال أشعاره إلى الآن تدرَّس وتحلَّل بسبب عمق معانيها وتعبيرها عن الحب الصوفي.
إقرأ أيضاً: قصائد عنترة بن شداد في الغزل
في الختام:
لقد ذكرنا في هذا المقال من هو ابن الفارض؟ إضافة إلى كيف عاش حياته ومتى بدأ بالتصوف، فما ميز شعره الخصائص التي استخدمها من خلاله، وهذا ما جعل ابن الفارض أسطورة شعرية ذا أثر مستمر إلى الآن.